في ضوء الأحداث التي شهدتها الأسواق المالية الأمريكية، يمكن ملاحظة تغيرات ملحوظة في أداء الأسهم والسندات الحكومية الأمريكية خلال شهر سبتمبر الماضي. ويعزى هذا التغير في سلوك المستثمرين إلى تفاعلهم مع إعلان البنك المركزي الأمريكي بشأن نيته الاستمرار في رفع أسعار الفائدة لمدة أطول مما كان متوقعا سابقا. لكن في التطورات الأخيرة، وتحديدا أمس الأربعاء، ظهرت مؤشرات تفيد بوجود تغيرات جديدة في السياق الاقتصادي والمالي للشهر الحالي، مما يشير إلى تحول في توجه المستثمرين وتصورهم للسوق واحتمالات الفائدة المستقبلي.
وفي هذا السياق، أوردت وكالة “بلومبيرغ” أن عائدات السندات في الولايات المتحدة قد تراجعت بعد أن لامست أعلى مستوياتها منذ أكثر من عقد أمس الأربعاء، حيث ساعدت بيانات سوق العمل الأمريكية الضعيفة في تخفيف مخاوف المستثمرين بشأن رسالة مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) “ارتفاع لفترة أطول” بشأن أسعار الفائدة. وكان مسؤولو الاحتياطي الاتحادي قد أشاروا في نهاية الشهر الماضي، إلى أنهم مستعدون لرفع أسعار الفائدة مرة أخرى هذا العام لمكافحة التضخم، بعد أن قرروا إبقاء أسعار الفائدة ثابتة عند أعلى مستوى لها منذ 22 عاما في نطاق 5.25 إلى 5.5 في المئة، وكان لهذه التصريحات صداها بين المستثمرين في الأسواق المالية في الولايات المتحدة، مما كان له انعكاس على الأسهم والسندات الأمريكية.
ويخوض البنك المركزي في الولايات المتحدة معركة ضد التضخم، ويعد سوق العمل أحد أسباب رفع التضخم، فيعمل الاحتياطي الاتحادي على تهدئة سوق العمل حتى لا يكون هناك سوق ضيق تكون فيه عدد الوظائف أكبر من المتقدمين لها، حتى لا يتم التفاوض على رواتب أعلى فتسهم بذلك في ارتفاع التضخم. كما أن عدم تهدئة سوق العمل يدل على أن هنالك نشاطا اقتصاديا قويا وهو ما لا يصب في صالح خفض التضخم.
وجاءت الانخفاضات في عائدات السندات بعد أن أظهرت بيانات الأربعاء أن أصحاب العمل في القطاع الخاص في الولايات المتحدة زادوا التوظيف بأبطأ وتيرة في أكثر من عامين ونصف، مع تخلي الشركات الكبرى عن وظائف، مما يشير إلى تباطؤ سوق العمل. وانخفض العائد على سندات الخزانة الأمريكية القياسية لأجل 10 سنوات بنسبة 0.08 نقطة مئوية في أواخر التعاملات بعد الظهر، في نيويورك إلى 4.73 في المائة، بعد أن وصل في وقت سابق إلى أعلى مستوى له منذ 16 عاما عند 4.88 في المائة.
وذكرت وكالة “بلومبيرغ” أن عمليات البيع في الأسهم والسندات حصلت على راحة، حيث قام المتداولون بتحليل البيانات الأمريكية حول سوق العمل وزيادة الرهانات على أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يمكنه الامتناع عن زيادة أسعار الفائدة.
وشهدت أسواق الأسهم والسندات الأمريكية عمليات بيع سببها إصرار بنك الاحتياطي الاتحادي الشهر الماضي، على إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، كما أنها جاءت مدفوعة ببيانات الوظائف الأمريكية التي جاءت أفضل من المتوقع يوم الثلاثاء، مما أدى إلى تزايد الاقتناع بأن أسعار الفائدة في الولايات المتحدة قد ترتفع أكثر من أعلى مستوياتها الحالية منذ 22 عاما، وذلك وفقا لـ”بلومبيرغ”.
ونقلت “بلومبيرغ” عن مايك لوينجارت، المسؤول في مكتب مورجان ستانلي للاستثمار العالمي أن مستثمري الأسهم كانوا يأملون في أن يهدأ سوق العمل ليمنح بنك الاحتياطي الاتحادي مساحة كافية للتنفس، للتقليل من تشدده.
من جانبها، ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية أن أسواق العقود الآجلة تتوقع في الوقت الحالي بأن يقوم بنك الاحتياطي الاتحادي بتخفيضين أو ثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة بحلول نهاية العام المقبل.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن بعض المحللين أن عائدات السندات لاتزال بالقرب من أعلى مستوى لها منذ أكثر من عقد، مما يهدد بدفع الاقتصاد العالمي إلى الركود، مشيرين إلى أنه عندما ترتفع العائدات بقوة، فإن ذلك يخلق ضريبة محتملة على الاقتصاد مما سيولد رياحا معاكسة تواجه النمو الاقتصادي.
كما انخفضت عائدات السندات الألمانية لأجل 10 سنوات إلى 2.92 في المائة، بعد أن وصلت إلى 3 في المائة في التعاملات المبكرة، وهو أعلى مستوى منذ عام 2011. وترتفع العائدات مع انخفاض الأسعار، وفقا لـ”فايننشال تايمز”.
وفي منطقة اليورو، انخفضت مبيعات التجزئة بأسرع وتيرة شهرية خلال العام في أغسطس، مما يشير إلى أن ارتفاع تكاليف الاقتراض يؤثر على الإنفاق الاستهلاكي.
وعلى الرغم من الانتعاش في أسواق السندات، حذر المحللون من أن التحركات الحادة في الأيام الأخيرة من المرجح أن تلحق الضرر بأجزاء من النظام المالي.. وقال كريس تورنر، رئيس الأسواق العالمية في مجموعة ” آي إن جي” للخدمات المصرفية: يبدو أن شيئا ما سوف ينفجر، لكنني لست متأكدا تماما من ذلك، بحسب الصحيفة.
وشهد سوق السندات الأمريكية تراجعا متسارعا في الأسبوع الماضي، بعد أن أشار بنك الاحتياطي الاتحادي إلى أنه سيخفض أسعار الفائدة في العام المقبل والعام الذي يليه، بشكل أبطأ بكثير مما كان المستثمرون يحسبونه.
وبما أن هناك علاقة عكسية بين أسعار السندات والعائدات على السندات، فإن تراجع أسعار السندات يؤدي إلى زيادة العائد على السندات، وهو ما يتضح في عوائد سندات الخزانة الأمريكية لأجل 10 سنوات، حيث سجلت الأربعاء الماضي، أعلى مستوى له منذ عام 2007، وهي في طريقها لتحقيق أكبر قفزة شهرية خلال عام، بحسب الصحيفة.