يضع الخبراء والمتخصصون وعلماء الحاسوب والتكنولوجيا والذكاء الصناعي أياديهم على قلوبهم الآن.. تعصف بهم الأفكار في محاولة تخيل المستقبل الذي يوشك أن يتشكل، مع تغير هائل في عالم الإنترنت. ما حدث بالتحديد أنه قبل 3 أسابيع ظهر «روبوت دردشة» تجريبي اسمه ChatGPT. يقول خبراء إنه سيصنع فيما يبدو تاريخاً جديداً للإنترنت وكل ما يتعلق بها من تقنيات وتكنولوجيا.
يستطيع هذا الروبوت أن يقدم معلومات كاملة عما تطلبه منه مهما كانت صعوبة الأسئلة. يقدم إجاباته بوضوح تام، بل يمكنه حتى توليد وطرح وابتكار أفكار من عنده، ويستطيع أيضاً أن يقترح عليك استراتيجيات للعمل وهدايا عيد الميلاد وخطط دقيقة للعطلات، حسبما يقول الكاتبان نيكو غرانت وكاديه ميتز في صحيفة «نيويورك تايمز».
يعتبر الاثنان، وهما متخصصان في عالم الذكاء الاصطناعي والحوسبيات، أن الابتكار الجديد، سيغير شكل العالم، تماماً كما فعل محرك البحث «جوجل» و«الآيفون» خلال الثلاثين عاماً الماضية.
وربما هذا ما دفع «جوجل» تحديداً إلى إعلان الطوارئ ودق جرس الإنذار، لأنها تدرك أكثر من غيرها أنها على وشك أن تواجه تغييراً تكنولوجياً هائلاً يمكن أن يقلب الأعمال رأساً على عقب، على الرغم من أن الروبوت الجديد مازال بحاجة إلى قدر كبير من التطوير. ولا يعد ChatGPT وحيداً في مجاله، فهذا النوع من التقنيات بدأ يظهر تدريجياً خلال الفترة الأخيرة، ما يهدد حالة الهيمنة التي فرضتها «جوجل» على سوق البحث في الإنترنت طوال العقدين الماضيين.
ابتكر مختبر أبحاث يسمى OpenAI محرك البحث المتطور ChatGPT. والمفارقة أن باحثين من جوجل شاركوا مع العديد من باحثي الشركات والمختبرات الأخرى في بناء هذه التكنولوجيا.
وقد عكفت جوجل نفسها سنوات عدة على ابتكار روبوتات للمحادثة، أحدها اسمه LaMDA. يقول كاتبا نيويورك تايمز إن هذا الروبوت أثار اهتماماً هائلاً في الصيف عندما ادعى المهندس بلاك ليموين، أنه – أي الروبوت – كان يتمتع بما يشبه الوعي البشري، إلا أن ذلك لم يكن أبداً صحيحاً.
لكن التكنولوجيا أظهرت مدى تحسن تقنية روبوت الدردشة في الأشهر الأخيرة، ومع ذلك قد تبدو Google مترددة في نشر هذه التقنية الجديدة كبديل لمحرك البحث الخاص بها عبر الإنترنت، لأنها غير مناسبة لتقديم الإعلانات الرقمية، والتي شكلت أكثر من 80 في المائة من إيرادات الشركة العام الماضي.
ومع ذلك، «لا توجد شركة لا تقهر. كلهم معرضون للخطر»، كما تقول مارغريت أومارا، الأستاذة في جامعة واشنطن المتخصصة في تاريخ وادي السيليكون. وتضيف «بالنسبة للشركات التي أصبحت ناجحة بشكل غير عادي في بيع منتج وحيد بعينه، من الصعب عليها أن تعمل في شيء آخر مختلف».
نظراً لأن روبوتات الدردشة الجديدة هذه تتعلم مهاراتها من خلال تحليل كميات هائلة من البيانات المنشورة على الإنترنت، فإن لديها طريقة لمزج الخيال مع الحقيقة. وبالتالي فإنها يمكن أن تقدم معلومات متحيزة ضد النساء والأشخاص الملونين. أي أنها يمكن أن تسهم في نشر خطاب الكراهية وترويج بيانات خاطئة وسامة ومتحيزة. وربما كان ذلك أحد مخاوف «جوجل» من تأثر سمعتها إذا ما طرحت منتجها المتطور في الأسواق. لكن الشركات الجديدة مثل OpenAI قد تكون أكثر استعداداً لأخذ فرصها مع الشكاوى مقابل النمو، بحسب «نيويورك تايمز».
المشكلة الأخرى التي تعوق جهود «جوجل» في هذا الشأن هي الإعلانات. فالتقنية الجديدة تجعل المستخدمين أقل رغبة في النقر على روابط الإعلانات.
ومع ذلك، حفزت «جوجل» جميع باحثيها للعمل بكامل طاقتهم من أجل إحراز تقدم كبير لتطوير وإصدار نماذج ومنتجات جديدة للذكاء الاصطناعي يمكن أن تنافس روبوت المحادثة الجديد. ويعتقد الخبراء أنه، يجب على «جوجل» أن تقرر ما إذا كانت ستجعل روبوت الدردشة الكامل وجه خدمتها الرئيسة، بدلاً من محركها التقليدي الموجود في الخدمة الآن.
وتنظر «جوجل» للأمر على أنه صراع لنشر الذكاء الاصطناعي المتقدم الخاص بها دون الإضرار بالمستخدمين أو المجتمع، وفقاً لمذكرة اطلعت عليها «نيويورك تايمز». واعترف أحد المديرين بأن الشركات الأصغر لديها مخاوف أقل بشأن إطلاق هذه الأدوات، لكنه قال إن Google يجب أن تخوض في المعركة وإلا يمكن للصناعة المضي قدماً من دونها، وفقاً لتسجيل صوتي للاجتماع حصلت عليه الصحيفة. وقبل خمس سنوات، أصدرت مايكروسوفت روبوت دردشة، يسمى تاي، ينفث لغة عنصرية ومعادية للأجانب وقذرة، واضطر إلى إزالته على الفور من الإنترنت – ولم يعد أبداً. في الأسابيع الأخيرة، أزالت Meta روبوت دردشة أحدث للعديد من الأسباب نفسها.
بالطبع لا تستطيع روبوتات الدردشة الدخول في محادثة مثل الإنسان تماماً، لكنها غالباً ما تبدو كذلك، في رأي كاديه ميتز الصحفي البارز في «نيويورك تايمز»، بعد أشهر من المحادثات مع العلماء الذين يبتكرون روبوتات الدردشة والأشخاص الذين يستخدمونها. وتستطيع هذه الروبوتات أيضاً استرداد المعلومات وإعادة صياغتها بسرعة لم يستطع البشر القيام بها أبداً. بل إنه يمكن اعتبارهم مساعدين رقميين أفضل من Siri أو Alexa – في فهم ما تبحث عنه وإعطائه لك. وبعد إصدار ChatGPT – الذي استخدمه أكثر من مليون شخص- يعتقد العديد من الخبراء أن روبوتات الدردشة الجديدة هذه تستعد لإعادة اختراع أو حتى استبدال محركات البحث مثل Google و Bing.
«لديك الآن جهاز كمبيوتر يمكنه الإجابة عن أي سؤال بطريقة منطقية للإنسان»، حسبما قال آرون ليفي، الرئيس التنفيذي لشركة وادي السيليكون، بوكس، وواحد من العديد من المديرين التنفيذيين الذين يستكشفون الطرق التي ستغير بها روبوتات المحادثة هذه المشهد التكنولوجي. «يمكنه استقراء الأفكار وأخذها من سياقات مختلفة ودمجها معا».
تقوم روبوتات المحادثة الجديدة بمهامها بما يشبه الثقة الكاملة. لكنها لا تقول الحقيقة دائما. في بعض الأحيان، يفشلون أحياناً حتى في الحساب البسيط. إنهم يمزجون الحقيقة مع الخيال. ومع استمرارها في التحسن، يمكن للناس استخدامها لتوليد ونشر الأكاذيب.. هكذا تخلص «نيويورك تايمز».
جيريمي هوارد، عالم البيانات اللامع في الذكاء الاصطناعي، أسهم بأبحاثه في ابتكار ChatGPT والتقنيات المماثلة. مؤخراً قدم هوارد لابنته البالغة من العمر 7 سنوات، نموذجاً من ChatGPT الذي أصدرته قبل أسابيع OpenAI، أحد أكثر مختبرات الذكاء الاصطناعي طموحاً في العالم.
تقول «نيويوك تايمز» إن هوارد طلب من ابنته أن تسأل الروبوت التجريبي عن كل ما يتبادر للذهن. سألته مثلاً عن فائدة «حساب المثلثات»، و«من أين تأتي الثقوب السوداء» و«لماذا يحتضن الدجاج بيضه»؟!. في كل مرة، أجاب الروبوت بكلام واضح ومرتب بعلامات الترقيم السليمة. وعندما طلبت برنامج كمبيوتر يمكنه التنبؤ بمسار كرة يتم رميها في الهواء، أعطاها ذلك أيضاً.