وصلت وتيرة الأوضاع المالية المشددة في الولايات المتحدة، ومنطقة اليورو، خلال العام الحالي إلى أعلى مستوياتها، منذ أزمة الديون السيادية في عام 2011، ويؤدي هذا الأمر إلى تزايد معدلات رفض طلبات القروض، وانخفاض حجم الائتمان الممنوح للشركات والأسر، وعليه ستستمر الأوضاع المالية المشددة حتى العام المقبل، استنادًا لثلاثة عوامل رئيسية هي:
زيادة أسعار الفائدة
لن تتراجع البنوك المركزية بأمريكا وأوروبا عن دورات زيادة أسعار الفائدة بالمستقبل القريب، ففي الولايات المتحدة، رفع البنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة الرئيسية 500 نقطة أساس حتى الآن، منذ مارس 2023، في حين رفع البنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة الرئيسية بمقدار 375 نقطة أساس، منذ يونيو، ولكن مقاييس التضخم الأساسي لا تزال مرتفعة، كذلك الضغوط المرتبطة بضيق سوق العمل لا زالت مستمرة، لذا سيكون من الصعب على “المركزي الأوروبي” و”الاحتياطي الفيدرالي” إرجاع معدلات التضخم المرتفعة حالياً إلى النسبة المستهدفة البالغة 2% دون إبقاء أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول. ومن المرجح في حالة البنك المركزي الأوروبي على وجه التحديد، أن يتم تطبيق زيادات إضافية على أسعار الفائدة، حيث يعني ارتفاع أسعار الفائدة الأساسية للسياسة النقدية أن تظل تكاليف الائتمان مرتفعة حتى نهاية العام على الأقل.
محدودية الائتمان
تعمل البنوك المركزية على إلغاء إجراءات توسيع الميزانيات العمومية التي تم اتخاذها خلال جائحة “كوفيد-19″، الأمر الذي سيزيد من محدودية الائتمان، وقدمت هذه البرامج الدعم النقدي من خلال مجموعة من برامج شراء الأصول والتسهيلات الائتمانية، التي تم إطلاقها لتعزيز تدفقات الائتمان وتسيير أعمال الأسواق المالية، وفي منطقة اليورو، شهد يوليو 2022 نهاية مشتريات الأصول الصافية للبنك المركزي الأوروبي، وفي مارس 2023 تحولت السياسة من إعادة الاستثمار الكامل إلى إعادة الاستثمار الجزئي للمبالغ الأساسية بعد عمليات الاسترداد، مما يعني تسريع وتيرة تخفيض حجم الميزانية العمومية للبنك المركزي، وفي الولايات المتحدة، تتجلى خطط تخفيض الميزانية العمومية للاحتياطي الفيدرالي في شكل قيود على إعادة استثمار مدفوعات الاستثمار المستلمة.
استنزاف الودائع المصرفية
انهيار 3 بنوك إقليمية في الولايات المتحدة (سيليكون فالي، وسيغنيتشر، وفيرست ريبابليك) وبنك كريدي سويس في أوروبا، أدى إلى إثارة المخاوف بشأن قوة المؤسسات المالية، وتسبب باستنزاف الودائع، ففي الولايات المتحدة، تنتقل الودائع المصرفية بشكل ملحوظ من البنوك إلى صناديق أسواق المال بحثاً عن الأمان والعوائد التي توفرها سندات الخزانة.
وفي نهاية أبريل، تراجعت الودائع في البنوك التجارية أمريكية بمقدار 521 مليار دولار منذ فبراير لتصل إلى 17 مليار و167 مليون دولار، أما في منطقة اليورو، فقد فاقمت هذه الأحداث الاتجاه السلبي الذي كان سائداً في نمو الودائع المصرفية، وسيكون لهذه الاتجاهات المرتبطة بتدفقات الودائع الخارجة تداعيات سلبية مستقبلية على نشاط الإقراض المصرفي، لأنها تقلل من الأموال المتاحة لتقديم القروض، وتزيد من الحذر داخل البنوك.