كشف تقرير صادر عن الاتحاد الدولي للنقل الجوي “الإياتا” عن إمكانية تراجع خسائر القطاع إلى 9.7 مليار دولار هذا العام، بعد أن سجلت نحو 180 مليار دولار في عامَي 2020- 2021، ويدعم الطلب المتزايد إلى جانب إلغاء القيود المفروضة على السفر في معظم المناطق، التوقعات بتعافي حركة الطيران إلى مستويات ما قبل كوفيد-19 بحلول عام 2024، مع إمكانية تحقيق الأرباح خلال العام المقبل، وفي الوقت ذاته ارتفعت مستويات ديون شركات الطيران بشكل ملحوظ مع اضطرارها إلى الاقتراض لتتمكَّن من تجاوز الأزمة، وتواجه الدوائر المالية في القطاع العديد من التحديات بينما يسعى القطاع لتحقيق تعهداته بالوصول إلى الحياد المناخي بحلول عام 2050.
ولكن هناك مشاكل تهدد قطاع النقل الجوي في طليعتها نقص العاملين والاضطرابات في بعض المطارات، ما أسفر عن فوضى عارمة حول العديد من المدن الأميركية والأوروبية. واستمرت شركات الطيران والمطارات حول العالم، في تقليص أعداد المسافرين والرحلات، في محاولة لإعادة استقرار عملياتها.
ويخلف مثل هذا الاضطراب الذي طال شركات الطيران والمطارات هذه السنة، مشاكل كثيرة لمئات الآلاف من المسافرين، الذين عادوا للتحليق في الأجواء، بعد تراجع وتيرة الإصابات بفيروس «كوفيد-19». وفي مطار هيثرو، الذي يعاني نقصاً في الأيدي العاملة ومشاكل أخرى، اتجهت السلطات لخفض عدد الرحلات اليومية، ما أدى لتقصير طول الصفوف وتراجع نسبة فقدان الأمتعة وإلغاء الرحلات وتأخيرها.
كما انخفض معدل إلغاء الرحلات في شركات الطيران الأميركية، من %2.7 في يونيو إلى %1.7 في يوليو، رغم أن موجة الأعاصير التي اندلعت في شهر أغسطس، أدت لزيادة عدد الرحلات الملغاة والمؤجلة، بحسب «وول ستريت جورنال».
نتج عن المشاكل التي وقعت بسبب، نقص العاملين في شركات الطيران والمطارات وشركات المناولة الأرضية في المملكة المتحدة، موجة من الاضطرابات التي تضمنت إلغاء 500 رحلة في إجازة نهاية الأسبوع الثاني من يونيو. وطالت هذه التأثيرات، أوروبا وأميركا أيضاً، لتنعكس أثارها على نظام يعاني سلفاً في كيفية التصدي لقضايا تشغيلية من، سوء حالة الطقس، إلى عمليات التأخير في مراقبة الحركة الجوية.
وفي يوم 11 يونيو، بلغت النسبة الإجمالية لإلغاء الرحلات حول العالم 4%، منها 11% في هولندا و4% في ألمانيا و3% في أميركا والمملكة المتحدة، بحسب «فاينانشيال تايمز».
تتداخل الأسباب التي تقف وراء هذه المشاكل، حيث قامت شركات الطيران، بتسريح أعداد كبيرة من العاملين أثناء انتشار الوباء، لتجد نفسها غير مستعدة لعودة متوقعة للمسافرين، بأعداد كبيرة. ويواجه قطاع الطيران، صعوبة في تعيين بدائل، في ظل الشح الذي تعانيه أسواق العمل العالمية.
أثبتت الأزمة، أهمية تعاون العديد من الشركات لتسهيل عمليات الطيران، فإذا تعثر أي قطاع في النظام البيئي للطيران، يزيد ذلك من تفاقم الاضطرابات في سلسلة التوريد بالكامل. وعانى القطاع، من أزمة كبيرة خلال السنتين الماضيتين، نظراً لانعدام الواردات، واستمرار تراكم التكاليف، ما يجعل تعويض ذلك، أمراً غاية في الصعوبة.
وفي ظل تفشي وباء «كورونا» قبل سنتين، كافحت شركات الطيران، من أجل البقاء وركزت على خفض التكاليف، مع عزوف الناس عن السفر وتصاعد الخسائر. وبادراك المخاطر التي تحدق بالشركات، اتجه المديرون لخفض عدد العاملين. وقدرت شركة لوفتهانزا خسائرها في أبريل 2020، بنحو مليون يورو في كل ساعة.
ورغم تسريح الخطوط البريطانية، لنحو 10 آلاف عامل من بين قوتها العاملة المكونة من 42 ألفاً، في خطوة وصفها الكثيرون بالكارثية، لكن بلغ عدد الذين عينتهم خلال عام 2022 حتى شهر يوليو، نحو 4 آلاف، من مجموع 7 آلاف لسد حاجتها حتى نهاية العام الجاري.
ومددت جيت بلو أيرويز الأميركية للطيران الاقتصادي، خططتها الخاصة بخفض الرحلات حتى حلول العام المقبل، رغم إضافتها لعدد كبير من العاملين، بينهم زيادة نحو 14% من الطيارين، مقارنة مع مستويات 2019. وأعلنت مجموعة الخطوط الجوية الدولية، التابعة لكل من بريطانيا وإسبانيا، عن خفض ما يزيد على 10 آلاف رحلة في الفترة بين 30 أكتوبر وحتى 25 مارس من العام المقبل، في أعقاب تقليص 30 ألف رحلة خلال موسم الصيف، نظراً لشح عدد العاملين وللالتزام بالإجراءات المطلوبة في مطار هيثرو.
وتشير تقديرات الحكومة الأميركية، لفقدان قطاع الطيران، لنحو 100 ألف وظيفة، عند حلول شهر سبتمبر 2021، رغم المساعدات التي قدمتها للقطاع والبالغة 50 مليار دولار. كما خفضت سويس بورت 20 ألفاً من قوتها العاملة المقدرة بنحو 55 ألفاً حول العالم. وفي العموم، فقد قطاع الطيران العالمي، نحو 2.3 مليون من العاملين بحلول سبتمبر 2021، وفقاً لمؤسسة أكسفورد البحثية.
وبحسب الاتحاد الدولي لعمال النقل، فقدت شركات الطيران والمطارات وخدمات الطيران وسلاسل التوريد العالمية، ما يزيد على مليونين من العاملين الماهرين. ولم يقتصر هذا النقص، على العاملين فقط، بل شمل المديرين التنفيذيين أيضاً. وبدأ تأثير هذا النقص في الخبرات والدراية المهنية، يظهر جلياً في الوقت الحالي، حيث بدأت الشركات في محاولة جسر هذه الفجوة.
وما يزيد من صعوبة حصول قطاع الطيران على العاملين، القوانين الأمنية الصارمة، بجانب تراجع جاذبيته، في ظل عمليات التسريح الكبيرة خلال السنتين الماضيتين.
زاد تكرار ظهور متغيرات الوباء، من تعقيد الوضع، فضلاً عن الاختلاف في قوانين السفر بين الدول. وبدأت الخطوط البريطانية، إعادة التوظيف أواخر العام الماضي وتخفيف الإجراءات الاحترازية الحدودية واستئناف رحلاتها عبر الأطلسي، لكن أدى ظهور متحور «أوميكرون»، لفرض قواعد حدودية جديدة.
وتتعرض شركات الطيران، لانتقادات بشأن المبالغة في تقديراتها لعدد الرحلات والمسافرين خلال موسم الصيف الحالي. وفي حين، أعلنت «لوفتهانزا»، عن نقل أكبر عدد من الركاب في تاريخها هذا الصيف، عادت لتعلن عن إلغاء 900 رحلة في شهر يوليو المقبل، نتيجة لنقص العاملين وللاختناقات في المطارات.
حافظت بعض شركات الطيران الاقتصادي، على عدد العاملين لديها مثل، إيزي جت، التي احتفظت بنفس العدد تقريباً الذي كان لديها في 2019، بينما ارتفع الرقم في ويز أير، من 4 آلاف قبل جائحة «كوفيد 19»، إلى 6.7 ألف متوقع قبل نهاية موسم الصيف الحالي.
ربما لا تطمع شركات الطيران، في تحقيق نفس الأرباح التي كانت تجنيها في 2019، لكن يعني سعي هذه الشركات لتفادي عرقلة النشاط في المستقبل، استعداد المسافرين لدفع المزيد من المال للحصول على مقعد داخل الطائرة.