تؤدي موجات الحر العالية التي تمتد عبر أجزاء كبيرة من العالم إلى إجهاد شبكات الكهرباء وإغلاق الشركات التي لا تستطيع الحفاظ على مناخ معتدل لعمالها، وما يترتب على ذلك من تداعيات اقتصادية كبيرة وخسائر في الإنتاجية، قدرتها بعض الجهات البحثية إلى ما يصل الى 100 مليار دولار أمريكي لأكبر اقتصاد في العالم، وهو اقتصاد الولايات المتحدة الأمريكية، وقد تستنزف سدس النشاط الاقتصادي، وتقلل نسبة الناتج المحلي الاجمالي على المدى البعيد.
وذكرت شبكة سي إن إن الإخبارية الأمريكية في تقرير لها، أنه في حين أن التأثير الاقتصادي الفعلي لموجة الحر والارتفاع الكبير لدرجة الحرارة لم تتم جدولته بعد، نجد أن طبيعة الحرارة الزائدة، وآثارها المتفاوتة ومدى وصولها إلى أماكن حيوية يجعل هذا الأمر صعبا، حيث أظهرت الدراسات الحديثة أن الحرارة الشديدة قد تكلف الولايات المتحدة 100 مليار دولار سنويا من خسارة الإنتاجية وحدها، وإذا تركت دون حل، فقد تستنزف سدس النشاط الاقتصادي العالمي بحلول عام 2100.
ونقلت سي إن إن عن كريس لافاكيس، مدير الأبحاث الاقتصادية في شركة موديز أناليتكس الأمريكية Moody’s Analytics ، أن موجات الحرارة الأخيرة تبين التكلفة الاقتصادية للإجهاد الحراري، حيث يمكن أن تتسبب موجات الحرارة في حدوث وفيات وتسبب تعطل في سير الأعمال، ويمكن أن تؤدي أيضا إلى إجهاد شبكات الكهرباء الإقليمية، مما يؤدي إلى زيادة تكلفة وتوافر تبريد الأماكن. وأضاف لافاكيس أن العمال، وخاصة أولئك الذين يعملون تحت أشعة الشمس، يكونون أقل إنتاجية، وتقدر شركة موديز أناليتكس أن المخاطر الجسدية المزمنة الناجمة عن الإجهاد الحراري يمكن أن تقلل الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة تصل إلى 17.6 بالمئة بحلول عام 2100.
وفي عام 2021، أصدرت مؤسسة المرونة بالمركز الأطلسي في أمريكا Foundation Resilience Center تقريرا، تطرقت فيه كذلك إلى إمكانية بلوغ خسائر الإنتاجية لارتفاع الحرارة 100 مليار دولار.. وقالت بوغمان ماكليود مدير المؤسسة إنه يتباطأ تفكيرنا عند درجة الحرارة العالية، ويقل تركيزنا ويتوقف التنسيق بين اليد والعين ونرتكب أخطاء.
وأوضحت ماكليود أن الخسائر أكبر في قطاعات مثل الزراعة والبناء، لكن لا توجد صناعة أو شركة محصنة، مضيفة أنه حتى لو كان الموظف يعمل في بيئة مكيفة الهواء، فهذا لا يعني بالضرورة أنه يتمتع بنفس الرفاهية في المنزل، كما أن الاضطرابات في النوم قد تؤدي إلى الإرهاق وضعف الأداء في اليوم التالي.
وحذرت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، في 18 يوليو الجاري، من خطر الإصابة بالنوبات القلبية والوفاة، بسبب موجات الحر الشديد التي قد يشهدها نصف الكرة الأرضية الشمالي هذا الأسبوع. وقالت المنظمة في بيان، إن “موجة الحرارة غير الاعتيادية التي يشهدها نصف الكرة الأرضية الشمالي ستتصاعد هذا الأسبوع، قد يترتب عليها ارتفاع درجات الحرارة ليلا”، مبينة أنه من شأن هذا الأمر أن يؤدي لزيادة مخاطر التعرض لنوبات قلبية وتسجيل وفيات.
وأفادت بأن درجات الحرارة في أمريكا الشمالية وآسيا وفي أنحاء من شمال إفريقيا والبحر المتوسط ستتجاوز 40 درجة مئوية لأيام عديدة من الأسبوع الجاري، مع اشتداد موجة الحرارة، مشيرة إلى أن درجات الحرارة الصغرى أثناء الليل ستسجل ارتفاعات قياسية جديدة، سينجم عنها ارتفاع مخاطر زيادة حالات الإصابة بالنوبات القلبية والوفيات.
وتتسارع ارتفاعات درجات الحرارة في قارات آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية، مسجلة أرقاما قياسية، ومتسببة في وفيات وحرائق غابات وفيضانات وإرباك مظاهر الحياة اليومية، وسط تحذيرات من تداعياتها الصحية، حيث تعتبر المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الحرارة أحد أكثر التغيرات الجوية فتكا.
ونقلت شبكة سي إن إن عن جوشوا غراف زيفين، الخبير الاقتصادي والأستاذ بجامعة كاليفورنيا سان دييغو الذي درس تأثير الحرارة على العمال أنه لطالما كانت الحرارة المفرطة مشكلة يجب معالجتها، إلا أن طبيعة درجة الحرارة المتزايدة والعالية هذه المرة، ستشكل عبئا متزايدا على الشركات والاقتصاد. وأضاف الخبير الأمريكي أن هذا يؤدي إلى تقليص ساعات العمل، وفي النهاية إلى إنتاج أقل، مضيفا “قد تكون هذه هي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة الحديث، حيث قد نشهد انخفاضا طفيفا في الناتج المحلي الإجمالي الفصلي، إن لم يكن سنويا”.
وقال مزارعون في المدينة إنهم في مرحلة إعداد الحقول للموسم الزراعي القادم، وأن مشرفي الحقول يراقبون عن كثب الأعداد الكبيرة للعمال الذين يعدون الحقول في درجات الحرارة العالية. وفي سياق ذي صلة، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن دراسة أجريت عام 2018، حول تأثير ارتفاع درجات الحرارة على الاقتصاد الأمريكي ونشرت في مجلة المال والائتمان والبنوك أن زيادة في متوسط درجة الحرارة في الصيف بمقدار درجة واحدة فهرنهايت، يمكن أن تقلل من معدل النمو السنوي لإنتاج ولاية بمقدار 0.15 إلى 0.25 نقطة مئوية.
وكنموذج لارتفاع درجات الحرارة في بعض الولايات الأمريكية، ذكرت سي إن إن أنه في هولتفيلي إحدى مدن كاليفورنيا، حيث أن المجتمع في تلك المدينة هو مجتمع زراعي، وتعرف المدينة بأنها “عاصمة الجزر في العالم”، اقتربت درجة الحرارة من 47 درجة مئوية الأربعاء الماضي، وهو الأعلى بثماني درجات من متوسط درجة الحرارة خلال 30 عاما.
وذكر مسؤول زراعي لشبكة سي إن إن أنه يتم التأكد من أن كل شخص لديه في المزرعة الثلج والماء والظل، مضيفا “نبدأ العمل في وقت أبكر بقليل ونحاول الانتهاء مبكرا أيضا. لا نريد أن يتأذى أي شخص هناك”.
ومع اشتداد موجة الحر في أوروبا، أصدرت معظم المدن الرئيسية في إيطاليا تنبيهات حمراء إلى خطورة الحرارة الشديدة، ويتوقع أن تصل درجات الحرارة إلى ذروتها الأربعاء المقبل، مع وضع 23 مدينة في حالة تأهب قصوى، بدءا من ترييست في الشمال الشرقي إلى ميسينا في الجنوب الغربي. وتعني تلك التحذيرات أن الحرارة المرتفعة تشكل تهديدا للجميع، وليس للفئات الضعيفة فقط.