من المرجح أن الاقتصاد العالمي سيظل صامدا إلى حد كبير في مواجهة حالة عدم اليقين والاضطرابات في تدفقات التجارة العالمية. وأوضح بنك قطر الوطني QNB في تقريره الأسبوعي أن التوقعات الاقتصادية العالمية مع بداية العام الجاري كانت تشير إلى نمو مطرد، مدفوعا بحالة من التفاؤل الحذر.
وأبرز التقرير عدة عوامل داعمة لهذا التفاؤل، من بينها قرارات خفض أسعار الفائدة التي اتخذتها البنوك المركزية الرئيسية، ومرونة معدلات نمو الاقتصاد الأمريكي، والانتعاش الدوري في الصين ومنطقة اليورو، فضلا عن تحسن ثقة المستثمرين بشكل عام.

الحرب التجارية تشتعل بسبب الرسوم الأمريكية

وأشار البنك إلى أن التقديرات الأولية كانت ترجح استقرار معدلات النمو في كل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة مقارنة بالعام السابق، بما يدعم تحقيق نمو عالمي بمعدل 3.3 بالمئة.
واستدرك التقرير في هذا السياق أن حالة التفاؤل لم تدم طويلا، حيث بدأت تتغير مع شروع الإدارة الأمريكية الجديدة في تنفيذ سياسات تجارية صارمة، كان لها تداعيات على مشهد الاقتصاد الكلي العالمي.

ونوه إلى أن إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الثاني من أبريل الماضي، وهو اليوم الذي بات يعرف بـ “يوم التحرير”، بفرض تعريفات جمركية شاملة، تضمنت رسوما أساسية بنسبة 10 بالمئة على جميع الواردات، وبمعدلات أعلى على بلدان مختارة، أدى إلى رد فعل حاد للأسواق المالية، مع تراجع الأسهم العالمية بسبب المخاوف من اندلاع نزاعات تجارية أوسع وأعمق.

ولفت التقرير إلى أنه في ضوء هذه المتغيرات ركزت التوقعات على احتمال حدوث ركود عالمي، وفي أسوأ مستوياتها، تراجعت توقعات نمو الاقتصاد العالمي من ذروتها الأخيرة بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى 2.8 بالمئة، وهو انخفاض كبير خلال فترة زمنية قصيرة جدا.
وأوضح التقرير أنه ومنذ ذلك الحين، تعافت أسعار الأصول، ووصلت المؤشرات الرئيسية إلى مستويات عالية جديدة، مع استبعاد السيناريوهات الأسوأ للحرب التجارية وتجدد العوامل الداعمة للنمو المدفوعة بالذكاء الاصطناعي فيما ظلت أرباح الشركات قوية.

وأشار التقرير في هذا الإطار إلى أن توقعات النمو استقرت نتيجة لذلك، بل وشهدت بعض التعافي، فيما من المتوقع الآن أن تنمو مجموعة الاقتصادات المتقدمة، التي تمثل 40 بالمئة من الاقتصاد العالمي، بنسبة 1.5 بالمئة هذا العام، من مستوى منخفض يبلغ 1.4 بالمئة.

ونوه التقرير إلى أن ارتفاع توقعات نمو الاقتصادات النامية إلى 4.1 بالمئة بعد تراجع سابق بمقدار 0.5 نقطة مئوية إلى 3.7 بالمئة، يعكس تعويضا كبيرا للخسائر السابقة وبذلك، تساهم توقعات تعافي النمو في كل من الاقتصادات المتقدمة والنامية في تحسين آفاق الاقتصاد العالمي، الذي يتوقع أن ينمو بنسبة 3 بالمئة هذا العام.
ورأى البنك أنه رغم التحديات التي يفرضها ارتفاع معدلات الرسوم الجمركية الأمريكية، فإن الاقتصاد العالمي سيظل صامدا إلى حد كبير في مواجهة حالة عدم اليقين والاضطرابات في تدفقات التجارة العالمية، مشيرا إلى أن هناك عاملين رئيسيين يدعمان وجهة نظره بشأن تحسن التوقعات الاقتصادية العالمية.

وأوضح أن العامل الأول يكمن في اختتام الإدارة الأمريكية الجولة الأولى من المفاوضات، مما ساهم في تخفيف حالة عدم اليقين واستبعاد السيناريوهات السلبية الأكثر تطرفا حيث تحول موقف الرئيس ترامب إلى نهج أكثر براغماتية مع التوصل إلى اتفاقيات مع كل من المملكة المتحدة، اليابان، إندونيسيا، فيتنام، الفلبين، والاتحاد الأوروبي، من بين دول أخرى، ما قلص نطاق فرض معدلات التعريفات الجمركية المحتملة على باقي دول العالم.

وبالإضافة إلى ذلك، اعتبر التقرير أنه رغم تصاعد موجة الحمائية في الولايات المتحدة، واصلت دول العالم الأخرى تحركها في الاتجاه المعاكس بشكل كبير، فمن الاتحاد الأوروبي إلى آسيا وأمريكا اللاتينية، ما زالت معظم الاقتصادات الكبرى تعتبر التجارة ركيزة أساسية لنماذج نموها، وتسعى بنشاط لتعزيز التكامل الاقتصادي من خلال إبرام اتفاقيات تجارية جديدة أو تعزيز الاتفاقيات القائمة مما أدى إلى تحسن توقعات التجارة العالمية و ساهم في تبني سيناريو نمو أقل تشاؤما.

أما العامل الثاني، فقد رأى التقرير أن دورات تخفيف السياسة النقدية من قبل البنوك المركزية الرئيسية ساهمت في تحسين الأوضاع المالية العامة واستقرار الاقتصاد العالمي، فقد سمح ضبط التضخم من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنك المركزي الأوروبي، وهما أهم بنكين مركزيين في الاقتصادات المتقدمة، ببدء دورات خفض أسعار الفائدة.
وذكر أنه من المقرر أن يخفض الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأمريكي) سعر الفائدة الرئيسي بمقدار 125 نقطة أساس خلال العام المقبل، بينما قد يجري البنك المركزي الأوروبي تخفيضا إضافيا، ليصل سعر الفائدة المرجعي إلى 1.75 بالمئة.

وقد شهدت أسواق الأسهم تعافيا ملحوظا مدعوما بأرباح الشركات القوية، بينما تضيق هوامش الائتمان للشركات، مما يشير إلى تحسن معنويات السوق وسهولة حصول الشركات على الائتمان إذ يقدم مؤشر الأوضاع المالية ملخصا قيما للحالة العامة للأسواق، ويظهر أن تحسن الأوضاع يقلل من تكاليف الاقتراض للأسر والشركات، مما يدعم الاستهلاك والاستثمار.
واختتم بنك قطر الوطني /QNB/ تقريره بالإشارة إلى أن التوقعات الاقتصادية العالمية شهدت تدهورا حادا في البداية عقب إعلان التعريفات الجمركية الأمريكية، لكن هذا التشاؤم تلاشى تدريجيا مع تحسن آفاق التجارة الدولية وتعزيز الأوضاع المالية التي تدعم الاستهلاك والاستثمار مما أدى إلى تحسن الأداء المتوقع للاقتصادات المتقدمة والنامية على حد سواء.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version