في ظل مساعي تطوير الاقتصاد الوطني وزيادة الإنتاج المحلي، اتخذت مصر خطوات جادة لتوطين الصناعات في البلاد، بهدف تقليل الاعتماد على الاستيراد، وتوفير فرص عمل جديدة لخفض العجز في الميزان التجاري عبر خفض الاعتماد على الواردات، وزيادة القدرة التنافسية للمنتجات المصرية. وعلى ضوء تلك الجهود، ركزت الحكومة المصرية على جذب الاستثمارات في عدد من المجالات المهمة، مثل الصناعات التحويلية، والصناعات الزراعية، إلى جانب الصناعات التكنولوجية: مثل صناعة الإلكترونيات، وتكنولوجيا المعلومات، وصناعة البرمجيات، فضلا عن الاستثمار في مجال الطاقة، حيث تستند مصر في مساعيها لجذب الاستثمارات في هذه المجالات المهمة على موقعها الجغرافي كدولة تربط بين قارات إفريقيا وآسيا وأوروبا، مما يتيح لها أن تكون مركزا صناعيا رئيسيا، فضلا عن زيادة فرص التعاون مع الدول العربية والإفريقية لتوسيع أسواق المنتجات المحلية.

وعرضت الحكومة المصرية في هذا الإطار، حوافز استثمارية، كما قدمت تسهيلات ضريبية ودعما ماليا للمستثمرين المحليين والأجانب، فضلا عن إنشاء وتطوير المناطق الصناعية، وتوفير البنية التحتية المناسبة، وتدريب العمالة في مختلف المجالات المستهدفة، إلى جانب تبني القوانين واللوائح التي تبسط الإجراءات الإدارية والتراخيص للمستثمرين.
وفي هذا الصدد، أشار المهندس كامل الوزير نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، إلى أنه تم إعداد الاستراتيجية الوطنية للصناعة (2024 – 2030) والتي تستهدف زيادة مساهمة قطاع الصناعة في الناتج القومي من 14 بالمئة إلى 20 بالمئة سنويا بحلول عام 2030، ورفع نسبة مساهمة الاقتصاد الأخضر في الناتج المحلي الإجمالي إلى 5 بالمئة في الصناعات الخضراء، فضلا عن تشغيل الأيدي العاملة وتوفير ما بين 7 إلى 8 ملايين فرصة عمل وتنمية مهاراتهم، إلى جانب تقديم الدعم الفني للمصانع الصغيرة ودمجها في الاقتصاد الرسمي.
كما نوه في هذا الصدد بحل مشاكل المصانع المتعثرة والمتوقفة عن الإنتاج، لافتا إلى أنه تم وضع خطة عاجلة للنهوض بالصناعة المصرية، وتحويل مصر إلى مركز صناعي إقليمي، حيث تستهدف توطين الصناعة وتعميق التصنيع المحلي، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر، وزيادة مساهمة قطاع الصناعة في إجمالي الناتج القومي المحلي وفي حجم الصادرات، والوصول بجودة المنتج المصري إلى أعلى جودة ممكنة، كما أشار في هذا الصدد إلى رفع كفاءة الموارد البشرية، وإتاحة المزيد من فرص العمل من أجل زيادة الإنتاج وتحسين الدخل، مع وجود الممكنات الرئيسية لتنمية الصناعات الخضراء والقطاعات الصناعية المؤهلة لتعميق التصنيع المحلي، مضيفا أن الاستراتيجية الوطنية للصناعة بنيت على مجموعة من الأسس، والتي من أهمها التعاون مع القطاع الخاص كشريك رئيسي وأساسي في الأنشطة الصناعية.
وفي هذا الإطار، قال الدكتور وليد جاب الله الخبير الاقتصادي وعضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع،، إن مصر وضعت استراتيجية وطنية متكاملة لدعم وتطوير القطاع الصناعي تتضمن تهيئة البنية التحتية عبر ضخ استثمارات كبيرة فيها، وتطوير البنية التشريعية والانخراط في الكثير من التكتلات الاقتصادية العالمية، كما قدمت مصر خلال السنوات الماضية الكثير من الحوافز والضمانات للمستثمرين بصفة عامة ولمستثمري القطاع الصناعي بشكل خاص، حيث تسعى بذلك إلى تطبيق استراتيجيتين: الأولى تتعلق بإحلال الواردات، والثانية تخص بناء صناعات من أجل التصدير.
وأوضح أنه في مجال إحلال الواردات، هناك مبادرات أهمها، برنامج تعميق التصنيع المحلي لتعزيز إنتاج عدد محدد من المنتجات التي يتم استيرادها من الخارج، إلى جانب مبادرة “ابدأ” لتوطين الصناعة التي نتج عنها إنشاء شركة “ابدأ”، التي حددت أيضا عددا من مستلزمات الإنتاج التي يتم استيرادها من الخارج، ليتم إنتاجها في مصر، لا سيما في مجالي السيارات والأجهزة الكهربائية وغيرها من المجالات الأخرى، منوها بأن مصر قدمت كذلك حوافز متنوعة على الجانب المالي والضريبي للشركات التي تعمل في مجال توطين الصناعة، كما قامت من أجل دعم القطاع الصناعي، بإنشاء عدد من المدن المتخصصة، مثل مدينة الأثاث في دمياط ومدينة الجلود والمجمعات الصناعية المختلفة في كل أنحاء مصر.
أما في مجال تطبيق استراتيجية بناء صناعات من أجل التصدير، قال جاب الله إن مصر اهتمت بصورة كبيرة باستغلال المزايا النسبية التي تمتلكها من أجل بناء صناعات من أجل التصدير، لاسيما في مجال قطاع الصناعات الغذائية وقطاع الأدوية والغزل والنسيج والصناعات الهندسية وغيرها من الصناعات التي قدمت فيها مصر دعما للصادرات ساعدت به المصدرين، كما قدمت أيضا عددا كبيرا من الإعفاءات الضريبية، بالإضافة إلى تنظيم المعارض في الخارج، فضلا عن دعم هذه القطاعات من خلال العمالة اللازمة عن طريق إنشاء عدد من المدارس والجامعات التكنولوجية التي تساعد القطاع الصناعي في الحصول على العمالة الفنية التي يحتاجها، مضيفا أن هذه الإجراءات حققت نجاحات خلال الفترة الماضية، حيث يتم افتتاح الكثير من المصانع بصورة دورية وبشكل شبه أسبوعي.
وفي سياق متصل، قال المهندس شريف الصياد رئيس المجلس التصديري للصناعات الهندسية ، إن الحكومة المصرية تسعى إلى توطين عدد من الصناعات الهندسية، حيث قامت بالتركيز بشكل خاص على صناعة الأجهزة المنزلية والكهربائية، والتي شهدت نموا ملحوظا في الصادرات، مشيرا إلى أن صادرات هذين القطاعين وصلت إلى ما يقارب 953 مليون دولار خلال الأشهر الأحد عشر الأولى من عام 2024، مما يعكس الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي للصناعات الهندسية.
وأشار إلى أن الصادرات الهندسية تلعب دورا محوريا في الحد من العجز في الميزان التجاري المصري، حيث تجاوزت قيمة الصادرات الهندسية 5 مليارات دولار في عام 2024، كما تستهدف مصر تحقيق صادرات بقيمة 6 مليارات دولار بحلول نهاية عام 2025، مضيفا أن استراتيجية الدولة لجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، ساهمت في جذب 5 شركات عالمية رائدة في قطاع الأجهزة المنزلية من تركيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي، مما أسهم بشكل كبير في زيادة الصادرات المصرية، وتعزيز القدرة التنافسية للصناعات المحلية في الأسواق العالمية، كما نوه بأهمية التسهيلات الجمركية التي تسمح بدخول مكونات الإنتاج دون جمارك، مما يسهم في خفض تكاليف الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية للصناعة المصرية.
وفي ذات السياق، أكد الدكتور محمد أنيس، الخبير الاقتصادي ، أن تسريع خطوات توطين الصناعة في مصر سيساهم في سد العجز بالميزان التجاري، والتغلب على فاتورة الاستيراد، مشددا في هذا الصدد على ضرورة تشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر المستهدف للتصدير، وأن يكون ذلك هو العنوان الرئيسي للاستراتيجية المصرية خلال الفترة المقبلة.
وأضاف أن التدفقات الأجنبية تغلق الفجوة النقدية بشكل مباشر، وهو ما يبرز أهمية تحقيق إيرادات مستدامة عبر الصادرات، استنادا إلى جذب استثمارات عبر الاستفادة من تطوير البنية التحتية والاستمرار في رفع كفاءة الطرق، مشيرا إلى أن المستثمر يضع نصب عينيه مؤشر “سهولة القيام بالأعمال” وسهولة الإجراءات، وهو أمر يعززه التحول الإلكتروني والشمول المالي الذي تتبناه الحكومة المصرية، إلى جانب تشجيع التوطين من خلال طرح الأراضي الصناعية لكي يبدأ المستثمر في إنشاء المصانع والإنتاج، فضلا عن توفير العمالة الفنية المدربة والكفاءات المطلوبة، عن طريق إنشاء المدارس الصناعية والمتخصصة.