في ظل الارتفاع غير المسبوق لمعدلات الفائدة، في إطار السياسة النقدية التشديدية التي تنتهجها البنوك المركزية حول العالم، بدأت بعض هذه البنوك مثل الاحتياطي الاتحادي الأمريكي “البنك المركزي الأمريكي” والبنك المركزي الأوروبي، في الإشارة إلى أنهم سينهيان قريبا دورة ارتفاع أسعار الفائدة، وأبدى المستثمرون حماسا مفرطا في الدعوة لإنهاء حملة رفع هذه الأسعار، مما أدى إلى ارتفاع الأسهم نتيجة لذلك. بيد أن شبكة CNN الأمريكية ترى أن معركة خفض التضخم بعيدة من أن تكون قد حسمت. وذكرت الشبكة في تقرير لها، أن هناك تباطؤا للتضخم العام بشكل حاد في الأشهر الأخيرة. ففي الولايات المتحدة، علت أسعار المستهلكين بنسبة 3% في يونيو الماضي، وهو ارتفاع طفيف مقارنة بأعلى مستوى في أربعة عقود عند 9.1% في العام 2022. ومن بين الدول العشرين التي تشترك في عملة اليورو، زادت أسعار المستهلكين بنسبة 5.3 % في يوليو الماضي، وهو بالضبط نصف معدل التضخم القياسي المرتفع في أكتوبر من العام 2022.
وكان التضخم أعلى وأكثر ثباتا في المملكة المتحدة، حيث وصل إلى 7.9% شهر يوليو من هذا العام، مسجلا انخفاضا من 11% التي سجلها في أكتوبر الماضي، وهو أعلى مستوى في 41 عاما. إلا أن شبكة الاخبار الأمريكية ذكرت أن هذا تفاؤل يمكن أن يكون في غير محله مستشهدة بأسعار النفط والمواد الغذائية التي قفزت في الأسابيع الأخيرة، والأجور التي لا تزال تنمو بقوة في بعض أكبر الاقتصادات في العالم.
ونقلت CNN عن ريتشارد برونز، المؤسس المشارك لمزود البيانات إنرجي أسبكتس، قوله، إنه يتوقع أن تستمر أسعار النفط الخام في الارتفاع بسبب تخفيضات الإنتاج من قبل المصدرين الرئيسيين، والطلب العالمي الذي فاق التوقعات والمخزون العالمي المنخفض نسبيا. وأوضح برونز أنه على الرغم من أن الطلب ليس كبيرا، إلا أنه جاء بشكل أفضل مما توقعه الكثير منا في بداية العام، مشيرا إلى أن طلب المستهلكين لأشياء مثل الرحلات الجوية والسفر، والأشياء التي تزيد الطلب على النفط لا تزال قائمة بشكل جيد.
وتوقعت وكالة الطاقة الدولية أن الطلب العالمي على النفط سيرتفع إلى مستوى قياسي بلغ 102 مليون برميل هذا العام. لكن الوكالة قالت في تقرير الشهر الماضي، إن من المتوقع أن يرتفع إنتاج النفط العالمي إلى 101.5 مليون.
وتطرقت CNN إلى أسعار المواد الغذائية العالمية، والتي قالت إنها تراجعت منذ يوليو من العام الماضي، عندما وقعت روسيا وأوكرانيا اتفاقا للسماح بالمرور الآمن للسفن التي تحمل المواد الغذائية والأسمدة من موانئ البحر الأسود إلى السوق العالمية، إلا أن روسيا انسحبت من هذا الاتفاق شهر يوليو الماضي، بحجج منها أن الغرض الرئيسي من الصفقة هو توريد الحبوب إلى البلدان المحتاجة، وهو الشيء الذي لم يتحقق.
ونسبت الشبكة لمحللين قولهم، إن التوقعات للإمدادات العالمية من المواد الغذائية الرئيسية قد “تدهورت” منذ بداية العام، ويتوقعون ارتفاع الأسعار نتيجة لذلك. وأضافوا إن إمدادات القمح، على وجه الخصوص، من المرجح أن تعاني من عجز كبير، في أعقاب انسحاب روسيا من اتفاق البحر الأسود والطقس الحار والجاف بشكل غير عادي في مناطق منتجة أخرى هذا العام.
وفي ذات السياق، قالت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة الفاو ، الأسبوع الماضي، إن مؤشرها العالمي لأسعار الغذاء ارتفع في يوليو مقارنة بيونيو الذي سبقه، ليسجل الزيادة الثانية منذ يوليو 2022. ونقلت CNN عن راندال كروسزنر، المحافظ السابق للاحتياطي الاتحادي الأمريكي وأستاذ الاقتصاد في كلية بوث لإدارة الأعمال بجامعة شيكاغو القول، إنه “سيكون من الحماقة أن يعلن أي بنك مركزي النصر على التضخم”. مضيفا “لقد رأينا أن التضخم انخفض، لكننا نحتاج حقا إلى رؤية أن هذا الانخفاض سيكون مستداما”.
وحول سوق العمل وعلاقته بالتضخم في دول مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، ذكر كروسزنر “تعتبر تكاليف العمالة أهم مدخلات الخدمات إلى حد بعيد، ولا تزال مدخلات مهمة للغاية للتصنيع، لذلك إذا استمرت معدلات الأجور في النمو بسرعة كبيرة، حتى لو كانت أسعار السلع الأساسية تنخفض، فقد يستمر التضخم”. ومع انخفاض معدلات البطالة، وما زالت أسواق العمل ضيقة نسبيا (أي أن عروض التوظيف أكبر من المتقدمين)، يتوقع كروسزنر أن يظل نمو الأجور قويا على المدى القريب، مضيفا أنه ستستمر العديد من الشركات في تلبية متطلبات الأجور لأنه من الصعب جدا الحصول على موظفين.
وأشارت CNN إلى أن البنوك المركزية الكبرى زادت أسعار الفائدة بمعدل قياسي خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية في محاولة للحد من ارتفاع الأسعار، على الرغم من أن حملة التشديد أضرت باقتصاداتها. مضيفة أن ما يسمى بـ الهبوط الناعم وهو حدوث انخفاض في التضخم، ولكن بدون ركود كامل، يبدو أنه على مرمى البصر في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لافتة إلى أن هناك أيضا إشارات على أن الركود المعتدل في منطقة اليورو قد يكون انتهى بالفعل.
وفي حين أن البنوك المركزية يجب أن تظل “يقظة”، وفقا لكروسزنر، فإنه لا يرى “عودة التضخم إلى الارتفاع الذي وصل إليه العام الماضي”، لأن بعض القوى الدافعة بما في ذلك اختناقات العرض والإنفاق الكبير من قبل الحكومات أثناء جائحة كورونا لم تعد تلعب دورا.
الجدير بالذكر أن التضخم بدأ في جميع أنحاء العالم يتسارع في أواخر عام 2021 مع إعادة فتح الاقتصادات بعد جائحة كورونا، ثم اكتسب ارتفاع الأسعار زخما بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا التي لاتزال مستمرة منذ فبراير 2022 مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة العالمية.