في الوقت الذي ارتفعت فيه أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة الأمريكية في أغسطس الماضي بأسرع وتيرة لأكثر من عام بسبب قفزة في تكاليف الطاقة، إلا أن الأسعار الأساسية، التي تستثني الطاقة والغذاء، ارتفعت بشكل قليل، وهو ما جعل صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، ترى أنه من المرجح أن تبقي القراءة الأساسية الشهرية مسؤولي الاحتياطي الاتحادي في طريقهم لإبقاء أسعار الفائدة ثابتة في اجتماعهم الأسبوع المقبل دون جدل حول ما إذا كانوا سيحتاجون إلى رفعها لإبطاء الاقتصاد والحفاظ على التقدم الأخير بشأن التضخم.
وفي هذا الإطار، أفادت وزارة العمل الأمريكية أمس، بأن مؤشر أسعار المستهلك، وهو مقياس التضخم الذي يتم مراقبته عن كثب، ارتفع بنسبة 0.6 بالمئة في أغسطس مقارنة بالشهر السابق. ويعود أكثر من نصف الزيادة إلى ارتفاع أسعار البنزين. بيد أن ما يسمى بالأسعار الأساسية، التي تستثني المواد الغذائية والطاقة، ارتفعت بنسبة طفيفة نسبيا بلغت 0.3 بالمئة الشهر الماضي بعد قراءات أقل في يونيو ويوليو.
ورفعت لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية سعر الفائدة القياسي في يوليو إلى نطاق يتراوح بين 5.25 بالمئة إلى 5.5 بالمئة، وهو أعلى مستوى خلال 22 عاما، وكانت أحدث توقعاتها تشير إلى زيادة أخرى في سعر الفائدة لعام 2023.
من جانبها، ذهبت وكالة “بلومبيرغ” للأنباء إلى ما ذهبت إليه “وول ستريت جورنال” بأن الاجتماع المقبل للجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، التي تحدد معدل الفائدة للاحتياطي الفيدرالي، في الفترة من 19 إلى 20 سبتمبر المقبل، لن يشهد زيادة في أسعار الفائدة.
ونقلت “بلومبيرغ” عن روبيلا فاروقي، كبيرة الاقتصاديين الأمريكيين في شركة “هاي فريكونسي اكونوميكس” أن هذه البيانات تدعم التوقف المؤقت في سبتمبر، ومع ذلك، من غير المرجح أن تعلن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة النصر حتى ترى المزيد من الأدلة على التحسن نحو هدف 2 بالمئة، مضيفة أنهم سيظلون منفتحين لمزيد من رفع أسعار الفائدة إذا لزم الأمر.
كما نقلت عن عمير شريف، رئيس شركة “انسايت انفليشن” المعنية بتحليل بيانات التضخم، إنه في حين أن التضخم الأساسي قد يكون أخف في سبتمبر، فإنه مازال يعتقد أنه ستكون هناك زيادة في سعر الفائدة الأساسي في الربع الرابع من هذا العام، مما قد يدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي في المضي في رفع سعر الفائدة مرة أخرى في اجتماع ديسمبر.
وكان جيروم باول رئيس بنك الاحتياطي الاتحادي قد أشار في أواخر أغسطس في مؤتمر بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي في جاكسون هول بولاية وايومنغ، إلى أن التضخم لا يزال مرتفعا للغاية، وأن محافظي البنوك المركزية على استعداد لتشديد السياسة النقدية أكثر إذا لزم الأمر.
من جانبها نظرت كاثي بوستيانسيك، كبيرة الاقتصاديين في شركة “نيشن وايد لايف انشورنس” نظرة تشاؤمية لأرقام أغسطس، وقالت: إن مؤشر أسعار المستهلك الأساسي لشهر أغسطس مخيب للآمال بعض الشيء، وهذا سيبقي بنك الاحتياطي الفيدرالي في حالة تأهب ويشير إلى إمكانية رفع سعر الفائدة في نوفمبر وديسمبر المقبلين.
وحول انعكاسات البيانات الجديدة على تصور المستثمرين في الولايات المتحدة بشأن رفع معدلات الفائدة ومالها من تداعيات على استثماراتهم، ذكرت “بلومبيرغ” أن المستثمرين ليسوا متأكدين من حدوث ارتفاع آخر في معدل الفائدة، مضيفة أنهم يرون أن بنك الاحتياطي الاتحادي سيترك أسعار الفائدة دون تغيير في اجتماعهم في سبتمبر المقبل.
ولتعزيز ما ذهبت إليه “بلومبيرغ”، فقد تطرقت إلى عوائد السندات الأمريكية التي تستثمر فيها كثير من الدول والجهات، حيث أكدت الوكالة أن عوائد سندات الخزانة لم تتغير كثيرا بعد الكشف عن البيانات الأخيرة، مما يعكس أن المستثمرين لم يغيروا كثيرا وجهة نظرهم من أن الاحتياطي الاتحادي لن يغير معدل الفائدة في اجتماعه القادم.
ويمكن أن يؤدي ارتفاع تكاليف الطاقة إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات غير المرتبطة بالطاقة وتؤثر أسعار الطاقة والغذاء بشكل كبير على الطريقة التي ينظر بها العديد من الأمريكيين إلى التضخم ويمكن أن تؤثر على سلوكهم، بما في ذلك الأجور التي يطلبونها من أصحاب العمل. وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة طفيفة بلغت 0.2 بالمئة في أغسطس على أساس شهري، وهي نفس وتيرة شهر يوليو.
وأشارت “بلومبيرغ” إلى أن سوق العمل الذي لا يزال مشدودا (عدد الوظائف أكبر من المتقدمين لها) يمكن أن يبقي الأسعار مرتفعة لبعض الوقت، حيث إن وجود وظائف أكثر من عدد المتقدمين إليها يشير إلى أن هناك نشاطا اقتصاديا، يؤدي إلى المزيد من فتح فرص التوظيف، كما أن عدم وجود العدد الكافي لمن يملأ هذه الوظائف يؤدي إلى تفاوض المتقدمين لهذه الوظائف على رواتب أعلى مما يؤدي إلى صرف أكبر ورفع للأسعار.
ويسعى البنك المركزي إلى تهدئة النشاط الاقتصادي وتهدئة سوق العمل لما له من أثر كبير في خفض التضخم. وذكرت “وول ستريت جورنال” أن سوق العمل الهادئ يمكن أن يسهم في خفض التضخم، ونسبت إلى جيمس نايتلي، كبير الاقتصاديين الدوليين في مجموعة آي إن جي المصرفية، إن ارتفاع معدلات البطالة قد يقلق المستهلكين ويخفف الإنفاق، مما قد يؤدي إلى إبطاء زيادات الأسعار وبالتالي انخفاض التضخم.