أكد سفير الهند لدى مصر، سوريش ريدي، أن العلاقات بين القاهرة ونيودلهي تعيش حالة ازدهار غير مسبوقة، مدفوعة بالرؤية المشتركة والتفاهم الوثيق بين الرئيس عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي. وأوضح في حديث لوكالة أنباء الشرق الأوسط، بمناسبة احتفال الهند بعيد استقلالها التاسع والسبعين، أن مصر تعد أحد أهم الشركاء الاستراتيجيين للهند، وأن الشراكة بين البلدين مهيأة لتحقيق آفاق أوسع في المستقبل.
وأشار إلى أن رفع مستوى العلاقات الثنائية إلى شراكة استراتيجية، وتوقيع اتفاقية الشراكة الاستراتيجية عام 2023، إلى جانب التفاهم الشخصي بين قيادتي البلدين، منح العلاقات دفعة قوية نحو الأمام. وأضاف أن التعاون بين مصر والهند يقوم على التزام راسخ بتحقيق الإمكانات الهائلة لهذه الشراكة، خاصة مع تزايد التفاعل السياسي رفيع المستوى، الذي انعكس في الزيارات المتبادلة بين الرئيس السيسي ورئيس الوزراء مودي، بالإضافة إلى ثلاث زيارات وزارية مصرية إلى الهند خلال العام الجاري، وزيارة وفد برلماني هندي رفيع المستوى إلى مصر في يونيو الماضي.
وأشار إلى تضامن البلدين في أوقات الأزمات، مستشهدًا بتعازي الرئيس السيسي لرئيس الوزراء مودي بعد الهجوم الإرهابي في باهالجام أبريل الماضي، وإدانته لهذا العمل. كما أبرز التعاون الوثيق في مجال مكافحة الإرهاب، موضحًا أن الجانبين اتفقا خلال اجتماعات مجموعة العمل المشتركة في القاهرة أبريل 2025 على تعزيز التعاون في مواجهة استخدام التكنولوجيا في الأغراض الإرهابية، وتمويل الإرهاب، بما في ذلك العملات المشفرة، والطائرات المسيرة، وإساءة استخدام الفضاء الإلكتروني.
وكشف عن دور مصر في تسهيل عملية “سندهو” التي نفذتها الهند لإجلاء مواطنيها من إسرائيل عبر معبر طابا خلال تصاعد الصراع بين إسرائيل وإيران. وتطرق إلى أن احتفال الهند بعيد استقلالها يمثل مناسبة للتأمل في نضالها من أجل الحرية، وللاحتفاء بشراكاتها الدولية، مؤكدًا أن البلدين يدعمان استقلاليتهما الاستراتيجية ويدعوان إلى نظام عالمي أكثر تمثيلًا، ويتفقان بشأن قضايا كبرى مثل العدالة المناخية، وأمن الغذاء والطاقة، والتحول الرقمي العادل.
كما أشار إلى أن الهند في طريقها لتصبح ثالث أكبر اقتصاد في العالم العام المقبل، بينما تقود مصر تحولًا اقتصاديًا شاملًا في إطار رؤية 2030، مما يفتح آفاقًا أوسع للتعاون في مجالات مثل الرعاية الصحية، والزراعة، والدفاع، والتقنيات الرقمية، والابتكار، والتحول الأخضر، وتنمية الشباب.
وفي المجال الاقتصادي، أوضح أن حجم التبادل التجاري بين البلدين يبلغ 5.2 مليار دولار، مؤكدًا إمكانية زيادته، مع رغبة الهند في استيراد المزيد من الفواكه والأسمدة من مصر، وإمكانية تصدير المنتجات الغذائية والمعدات والأجهزة الطبية لمصر. كما لفت إلى أن قدرات مصر التصنيعية تفتح المجال أمام صادرات السلع الوسيطة من الهند، وأن السوق الهندية الضخمة تمثل فرصة للمصدرين المصريين.
وبشأن الاستثمارات الهندية في مصر، أكد أنها قوية ومتنامية، إذ تجاوزت 4 مليارات دولار، وأسهمت في خلق 40 ألف فرصة عمل. وضرب مثالًا بشركة “تي.سي.آي. سنمار” الهندية للكيماويات، التي تعد من أكبر منتجي الـPVC والصودا الكاوية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا باستثمارات تبلغ 1.6 مليار دولار، وهو أكبر استثمار أجنبي في مصر.
وأضاف أن التقنيات الخضراء والتنمية المستدامة تمثل أحد محاور التعاون، مشيرًا إلى أن قدرة الهند على إنتاج الطاقة المتجددة بلغت 242 جيجاوات، وأن الشركات الهندية التزمت باستثمار أكثر من 12 مليار دولار في مشروعات الهيدروجين الأخضر والأمونيا الخضراء في مصر.
وفي مجال التحول الرقمي، لفت إلى أن الهند تتصدر العالم في تبني التقنيات الرقمية، إذ تسجل واجهة الدفع الموحدة (UPI) 18 مليار معاملة شهرية، فيما حققت شبكة المدفوعات اللحظية “إنستاباي” في مصر تقدمًا كبيرًا. وأكد إمكانية التعاون في المدفوعات الرقمية العابرة للحدود، وتعزيز انتشار المدفوعات الرقمية بين التجار والمشروعات الصغيرة.
كما أشار إلى أن الابتكار والشركات الناشئة ركيزة أساسية للتعاون، حيث تضم الهند ثالث أكبر منظومة شركات ناشئة في العالم بعدد 200 ألف شركة، فيما تحتل القاهرة المركز الثالث عربيًا في هذا المجال، ما يفتح المجال لشراكات استثمارية أوسع. وفي القطاع الصحي، أكد أن الهند تعد “صيدلية العالم” ومصر تمتلك صناعة دوائية محلية قوية، ما يتيح فرصًا للتعاون في الأدوية المتخصصة واللقاحات وتوطين التصنيع.
أما في السياحة، فأوضح أن الأهرامات والحضارة المصرية تجذب السائحين الهنود، وأن 27 مليون هندي يسافرون سنويًا، في حين يمكن للسائح المصري الاستمتاع بالوجهات الهندية الشهيرة، لافتًا إلى دور الرحلات الجوية المباشرة بين القاهرة ومومباي ونيودلهي في تعزيز التبادل السياحي.
وفي الجانب الثقافي، وصف التبادل الثقافي بأنه القلب النابض للعلاقات بين البلدين، مشيرًا إلى الشعبية الواسعة للسينما والموسيقى والمأكولات واليوجا الهندية في مصر، ومشاركة 23 ألف طفل مصري في مسابقة “لمحات من الهند” العام الماضي. كما لفت إلى أن قطاع الفضاء يمثل مجالًا واعدًا للتعاون، مشيدًا بإنجازات الهند في هذا المجال وإمكانيات التعاون مع قطاع الفضاء المصري على المستويين المحلي والأفريقي.