يواجه بنك إنجلترا تحديا جديدا في وقت حساس من تعافي الاقتصاد البريطاني، مع ظهور مؤشرات مثيرة للقلق على تباطؤ سوق العمل، في ظل تصاعد حالة عدم اليقين العالمي، وتنامي المخاوف من أن الإجراءات المالية التي أقرتها الحكومة قد تدفع بالشركات نحو تقليص الوظائف. وكشفت بيانات رسمية حديثة صادرة عن مكتب الإحصاء الوطني في بريطانيا أن عدد الوظائف تراجع في شهري فبراير ومارس، مما يزيد الضغوط على البنك المركزي قبيل قرارات مرتقبة بشأن السياسة النقدية، بحسب ما نقلته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وأظهرت البيانات الضريبية الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني انخفاض عدد العاملين في كشوف الرواتب بمقدار 8,000 وظيفة بين شهري يناير وفبراير، بعد أن تم تعديل الرقم من التقديرات الأولية التي أشارت سابقا إلى زيادة قدرها 21,000 وظيفة. وأشارت الصحيفة إلى أن البيانات الأولية لشهر مارس، والتي لا تزال في انتظار التأكيد أو التعديل بعد المزيد من التحليل، تظهر انخفاضا أكبر يقدر بـ78,000 وظيفة، أي ما يعادل نحو 0.3% من إجمالي عدد العاملين في كشوف الرواتب الرسمية، وذلك قبل دخول قرار زيادة مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل حيز التنفيذ هذا الشهر، كما نصت عليه ميزانية أكتوبر.
وأضافت الصحيفة أنه في حال تأكيد هذه الأرقام، فستكون هذه أكبر خسارة للوظائف منذ مايو 2020، مع الإشارة إلى أن بيانات مكتب الإحصاء الوطني تعدل شهريا بمعدل متوسط قدره 22 ألف وظيفة. ولفتت الصحيفة إلى أن عدد الوظائف الشاغرة انخفض للمرة الأولى إلى ما دون مستويات ما قبل جائحة كورونا منذ ربيع عام 2021.
ونقلت عن أشلي ويب، الخبيرة الاقتصادية في شركة الأبحاث كابيتال إيكونوميكس، أن الأرقام الجديدة تقدم أدلة أولية على أن الشركات بدأت بالاستجابة لزيادة ضرائب الأعمال ورفع الحد الأدنى للأجور – الذي دخل حيز التطبيق هذا الشهر – من خلال خفض أعداد الموظفين. وأشارت إلى أن حالة عدم اليقين المتزايدة، لاسيما المتعلقة بسياسات الرسوم الجمركية الأمريكية، قد تؤثر سلبا على نمو الوظائف في المرحلة المقبلة.
من جهته، يراقب بنك إنجلترا بيانات التوظيف عن كثب لتقييم تأثير زيادة ضرائب أصحاب العمل وزيادة الحد الأدنى للأجور، بالنظر إلى انعكاسات ذلك على معدلات التضخم والنمو الاقتصادي. فارتفاع الضرائب قد يدفع الشركات إلى رفع الأسعار لمواجهة التكاليف، بينما يؤدي رفع الأجور إلى زيادة الطلب على السلع والخدمات، مما قد يفاقم مستويات التضخم.
وفي السياق ذاته، نقلت الصحيفة عن سانجاي راجا، الخبير الاقتصادي في “دويتشه بنك”، أن بيانات سوق العمل تعكس مؤشرات واضحة تسمح لبنك إنجلترا بخفض سعر الفائدة في اجتماعه المقبل في مايو، في ظل تباطؤ واضح بسوق العمل واستمرار حالة الغموض التجاري.
وأشارت فايننشال تايمز إلى أن قطاع الأعمال البريطاني يعاني من حالة عدم يقين متزايدة، بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فرض رسوم جمركية على واردات السلع من معظم الدول، وهو ما يضع الاقتصاد البريطاني أمام تحديات جديدة. ووفقا للصحيفة، فإن صادرات المملكة المتحدة تواجه الآن رسوما جمركية أمريكية بنسبة 10%، ما يلقي بظلاله على توقعات النمو الاقتصادي، في وقت تتوقع فيه الأسواق المالية خفضا في سعر الفائدة من قبل بنك إنجلترا في مايو، مع إمكانية حدوث تخفيضين إضافيين حتى نهاية العام.
وفي سياق متصل، أشارت صحيفة الغارديان البريطانية إلى أن التباطؤ في سوق العمل لا يزال مستمرا، إلا أن وزيرة الخزانة راشيل ريفز قد ترى في البيانات الأخيرة بعض الارتياح، إذ لم تظهر مؤشرات واضحة حتى الآن على فقدان واسع للوظائف نتيجة السياسات الضريبية الجديدة. وأضافت الصحيفة أن رفع مساهمات التأمين الوطني من قبل أصحاب العمل – لجمع نحو 25 مليار جنيه إسترليني إضافية ضمن ميزانية أكتوبر – قوبل بردود فعل غاضبة من قطاع الأعمال وتحذيرات حادة بشأن التأثير على فرص العمل.
ولفتت الغارديان إلى أن البيانات الحالية لا تشير إلى تسريحات جماعية أو فقدان كبير للوظائف، لكن استمرار تباطؤ سوق العمل منذ العام الماضي يعكس تراجعا في النشاط الاقتصادي، مع عدم تحقق التحذيرات الأكثر تشاؤما بشأن آثار زيادة الضرائب والتغييرات المرتبطة بالأجور. كما حذرت الصحيفة من أن العبء الضريبي المرتفع على أصحاب العمل قد يستمر في الضغط على الطلب على الوظائف خلال الأشهر المقبلة، إلا أن التحدي الأكبر سيكمن في تمييز هذا التأثير المحلي عن آثار التباطؤ العالمي المتوقع، نتيجة السياسات الجمركية الأمريكية.
وأشارت إلى إمكانية توصل المملكة المتحدة إلى اتفاق مع الولايات المتحدة بشأن رسوم الاستيراد المفروضة، والتي تبلغ حاليا 10%، ربما مقابل تنازلات معينة كخفض الضرائب على شركات التكنولوجيا العالمية. وفي ختام التقرير، أكدت الصحيفة أن وزيرة الخزانة راشيل ريفز كانت واضحة في تصريحاتها بشأن استحالة حماية المملكة المتحدة كليا من التداعيات غير المباشرة للتباطؤ العالمي، في ظل تصاعد السياسات التجارية الحمائية.