ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، أن الزيادات الضريبية على الأعمال التجارية في بريطانيا، التي أعلنتها راشيل ريفز وزيرة المالية البريطانية في نهاية أكتوبر الماضي، بدأت تظهر آثارها السلبية على اقتصاد المملكة المتحدة، بما في ذلك استنزاف ثقة الشركات قبل حلول العام الجديد. وأوضحت الصحيفة أن هذه الزيادات جاءت في إطار أول ميزانية لحزب العمال الحاكم بعد فوزه الكبير في الانتخابات العامة التي جرت في يوليو الماضي. ووفقا لتقديرات مكتب مسؤولية الميزانية، فإن هذه الإجراءات ستسهم في زيادة الإيرادات السنوية للحكومة بمقدار 41.5 مليار جنيه إسترليني (54 مليار دولار) بحلول نهاية العقد، مما سيدفع بمعدل الضرائب إلى مستوى قياسي يقدر بـ 38 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ونقلت فايننشال تايمز عن مؤشر التوظيف الأولي في مؤشر مديري المشتريات في المملكة المتحدة (S&P Global) “أن التوظيف في القطاع الخاص انخفض خلال ديسمبر بأسرع وتيرة منذ يناير 2021 باستثناء تداعيات جائحة فيروس كورونا في 2019. حيث انخفض المؤشر إلى 45.8 نقطة، من 48.9 نقطة في نوفمبر، وهي قراءة تعكس تراجعا حادا نظرا لأن المؤشر دون مستوى 50 نقطة يشير إلى انكماش في التوظيف. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه البيانات تعد جزءا من سلسلة تقارير حديثة تظهر تباطؤا اقتصاديا، من بينها تراجع التوظيف وانخفاض ثقة الشركات وتسجيل انكماش في الناتج المحلي الإجمالي لشهرين متتاليين، وألقت مجموعات الأعمال باللوم على الزيادة البالغة 25 مليار جنيه إسترليني في مساهمات التأمين الوطني لأصحاب العمل التي تم الإعلان عنها ضمن ميزانية أكتوبر.
ونقلت الصحيفة عن أليكس فيتش، مدير السياسات في غرف التجارة البريطانية، إن الشركات أصبحت في حالة من الحيرة بشأن كيفية تحقيق النمو وسط ارتفاع التكاليف. وأضافت أن مخاوف الشركات هذه تأتي قبل اجتماع بنك إنجلترا هذا الأسبوع، حيث من المرجح أن تظل أسعار الفائدة ثابتة على الرغم من علامات ضعف الاقتصاد بسبب استمرار المخاوف بشأن التضخم. وأصرت الحكومة البريطانية على أن ريفز كان عليها اتخاذ خيارات صعبة بشأن الضرائب لتحقيق الاستقرار في المالية العامة والاقتصاد. وأكدت وزيرة المالية أنه كان لا بد من اتخاذ قرارات اقتصادية صعبة من أجل إعادة الاستقرار للاقتصاد الوطني، وفقا للصحيفة.
وذكرت صحيفة فايننشال تايمز أن مؤشر مديري المشتريات، يعتبر مقياسا لمعنويات الأعمال، حيث يعتمد على التوازن بين الشركات التي تبلغ عن تحسن أو تدهور في أدائها، وأوضحت أن هذا المؤشر قد يبالغ في التحركات الاقتصادية خاصة عند تعرض العديد من القطاعات لنفس الصدمة. وتشير البيانات الرسمية إلى أن حالات التسريح لم تشهد ارتفاعا ملحوظا في الأشهر الأخيرة، بينما انخفض عدد الموظفين المسجلين على قوائم الرواتب بشكل طفيف فقط. لكن أرقام مؤشر التوظيف كانت متوافقة مع استطلاع أجراه بنك إنجلترا هذا الشهر والذي أظهر أن معظم الشركات تتوقع انخفاضا في التوظيف نتيجة للتدابير الواردة في ميزانية ريفز، وفقا للصحيفة.
ونقلت فايننشال تايمز عن مايكل ستال، المدير الإداري لشركة التوظيف “مان باور جروب” في المملكة المتحدة، إن “مجموعة كاملة من القوى المتضافرة” أدت إلى “تدمير التفاؤل” الذي ساد بين الشركات بعد الفوز الساحق لحزب العمال في الانتخابات في يوليو. كما نقلت عن كريشنا جوها، الخبير الاقتصادي في شركة الاستشارات المصرفية الاستثمارية “إيفركور آي إس آي”، إن المملكة المتحدة أحرزت “تقدما كبيرا في التضخم”، الذي بلغ 2.3 في المائة في أكتوبر. وأضاف: “لكن مسار التضخم الأساسي لم يستقر بعد”.
وانكمش الاقتصاد البريطاني للشهر الثاني على التوالي في أكتوبر مع استعداد المستهلكين لميزانية مؤلمة، مما أدى إلى تمديد سلسلة مخيبة للآمال من أرقام النمو. وقال مكتب الإحصاءات الوطنية: إن الناتج المحلي الإجمالي انخفض بنسبة 0.1 بالمئة بعد انكماش بنسبة 0.1 بالمئة في الشهر السابق. وكان خبراء الاقتصاد يتوقعون زيادة بنسبة 0.1 بالمئة.
وبهذا الخصوص، ذكرت وكالة بلومبيرغ أن هذا يعني أن الاقتصاد لم ينم إلا في شهر واحد من الأشهر الأربعة منذ تولي حزب العمال السلطة، وهو ما يزيد من حدة البداية المتعثرة منذ فوزه الساحق في انتخابات الرابع من يوليو. فقد استقرت الخدمات للشهر الثاني على التوالي في أكتوبر، في حين انخفض إنتاج التصنيع والبناء.
وأضافت أن الحكومة البريطانية تواجه معركة صعبة، مع تباطؤ سوق العمل، وارتفاع تكاليف الرهن العقاري والطاقة، وتهديد الشركات بتمرير الزيادة الضخمة في ضريبة الرواتب من خلال رفع الأسعار على المستهلكين وخفض الوظائف. وأظهر مسح منفصل مؤخرا أن ثقة المستهلك ظلت ضعيفة في ديسمبر، ولم يظهر الاقتصاد أي نمو منذ الانتخابات. وأضافت بلومبيرغ أنه قد تتزايد الرياح المعاكسة من الخارج في العام المقبل إذا أدت حرب تجارية شاملة ناجمة عن عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، إلى إضعاف الاقتصاد العالمي.