تعد المسيرة المهنية للملياردير الأمريكى بيل غيتس ملهمة للجيل الجديد من رواد الأعمال فقد نجح في استثمار الفرص واحده تلو الاخري في مجال برمجه الكمبيوتر، ورجل أعمال أميركي، واشتهر كمؤسس لأكبر شركة برمجيات في العالم (مايكروسوفت)، وتقدر ثروته حاليا بنحو 102.5 مليار دولار.
ولعل أبرز ما يميز بيل غيتس كونه يمتلك رؤية لمستقبل الاستثمار ، وما ستحتاج إلية الأسواق في قادم الأيام ، ومؤخرا اتجه للاستثمار في مجال جديد يتعلق بالمحاصيل المهندسة وراثيا و التي يمكنها التكيف مع تغير المناخ ومقاومة الآفات الزراعية أطلق عليها أسم البذور السحرية لأهميتها في توفير الغذاء لكافة شعوب العالم.
الرياضيات والعلوم
ولد وليام هنري غيتس الثالث المعروف ببيل غيتس يوم 28 أكتوبر 1955، بمدينة سياتل، من أسرة تنتمي لطبقة متوسطة عليا ذات أصول إيرلندية أسكتلندية. و كان أبوه محاميا وأمه مدرسة، وله أختان، تميز بذكائه ونضجه منذ الصغر، حيث انخرط في المخيمات الصيفية وممارسة الرياضة، وهو متزوج وله ثلاثة أبناء. و بعد دراسته الابتدائية، التحق غيتس بمدرسة “ليك سايد” الإعدادية حيث برع في الرياضيات والعلوم، وشكل اقتناء مدرسته عام 1968 جهاز حاسوب، الذي كان يعد آلة جديدة حينها، منعطفا مهما في حياته، وهو في 13 من عمره، حيث أصبح مولعا به في أوقات الفراغ، وبرع فيه رفقة زميله بول آلن الذي أسس معه لاحقا شركة “مايكروسوفت”. وبدأ غيتس في سن 14 من عمره إعداد برمجيات قصيرة، كانت عبارة عن ألعاب محدودة، ثم أنشأ مع بول آلن عام 1969 شركة باسم “مجموعة مبرمجي ليك سايد للحاسوب”، ساعدتهما في اكتساب تجربة مبكرة. وخلال مرحلة دراسته الثانوية أسس مع آلن شركة لتحليل بيانات الطرق وتوفير تقارير لمهندسي الطرق في أميركا، والتحق غيتس لاحقا بجامعة هارفارد، لكنه تركها بعد سنتين لينكب على عالم الحاسوب والبرمجيات
تطبيقات جديدة
انطلق غيتس وآلن في فبراير عام 1975 في إعداد برمجيات بلغة “Basic” للجيل الجديد من أجهزة الحاسوب، التي ظهرت آنذاك من نوع “ألتير 800″، لصالح شركة اسمها “MITS”، التي شكلت تحولا بالنسبة لعالم الحاسوب الشخصي، وكانت سببا رئيسيا في إنشاء شركة “مايكروسوفت”. وعرضت شركة “آي بي أم” (IBM) على غيتس وألن بعد ذلك العمل لديها لإنتاج برنامج تشغيل لها، مقابل إغراءات مادية كبيرة، لكنهما رفضا، وقاما في المقابل بشراء حقوق برنامج تشغيل اسمه “86QDOS” وطورته شركتهما، وباعته لشركة آي بي أم. ومنحت هذه الصفقة شهرة كبيرة لـ”مايكروسوفت” في وقت كانت لا تتوفر فيه سوى على 32 موظفا وأرباحا قليلة مقابل ألف موظف لشركة آي بي أم، ومداخيل تصل إلى أكثر من ثلاثمئة مليار دولار سنويا. وواصل غيتس وضع تطبيقات جديدة، حيث أعد برنامج معالج الكلمات (WORD 1.0) وطوره، كما جمع ثلاثين من أفضل المبرمجين لمدة عامين في محاولة لاختراع “ويندوز”، وشكل اختراع أداة العمل في الحاسوب “الماوس” عاملا مهما حينئذ. ودخلت “مايكروسوفت” في 13 مارس 1986 سوق الأسهم، حيث أصبح غيتس من أثرياء أميركا، وارتفع عدد موظفي الشركة إلى 1200 شخص.
واجه غيتس العديد من المشاكل في مساره، وعرضت خلافات لشركته مع شركة “آبل” أمام المحاكم، كما رفعت وزارة العدل الأميركية قضية ضد “مايكروسوفت” في مايو/أيار 1998 بتهمة احتكار سوق البرمجيات، أقرتها المحكمة، قبل أن يلجأ إلى تسوية مع الوزارة. وتخلى غيتس منذ عام 2014 عن الكثير من الأسهم في شركة “مايكروسوفت”، حيث لم يعد صاحب الحصة الأكبر فيها.
.
الجوع في العالم
مؤسس إمبراطورية البرمجيات الأميركية “مايكروسوفت كورب” أكد أن مستقبل الاستثمار خلال السنوات المقبلة يكمن في تلك البذور السحرية بمقدورها القضاء على الجوع في العالم. وفي أحدث تقرير سنوي لمؤسسة ”بيل وميليندا غيتس“، قال بيل غيتس الذي تقدر ثروته الان بنحو 106.5 مليار دولار إن ”أزمة الجوع العالمية هائلة لدرجة أن المعونة الغذائية لا يمكنها معالجة المشكلة بالكامل، وإن المطلوب أيضًا هو ابتكارات في تكنولوجيا الزراعة يمكن أن تساعد في عكس مسار الأزمة“.
ويشير غيتس بشكل خاص إلى ما يسميه ”البذور السحرية“، بما في ذلك الذرة التي تمت تربيتها لتكون أكثر مقاومة للمناخات الأكثر حرارة وجفافًا وبذور الأرز التي تتطلب 3 أسابيع أقل في الحقل. ومع ذلك، فهو يدعي أن ميزانية البحث والتطوير للابتكارات الجديدة مثل ”البذور السحرية“ ما تزال صغيرة جدًا مقارنة بالإنفاق على المساعدات الغذائية.
يقول غيتس: ”من الجيد أن الناس يريدون منع إخوانهم من البشر من الجوع عندما تقطع صراعات مثل أوكرانيا الإمدادات الغذائية، لكن علينا أيضًا أن ندرك أن هذه الأزمات هي أعراض لمشكلة أعمق“. ويضيف: ”العديد من البلدان لا تنمو بما يكفي حتى الآن، وتغير المناخ يجعل الزراعة أكثر صعوبة. لا يمكن حل هذا التحدي بالتبرعات. بل يتطلب الأمر الابتكار“.
تكنولوجيا الزراعة
ومؤسسة بيل وميليندا غيتس هي أكبر مؤسسة خاصة في العالم وتشتهر بعملها في مجال الصحة العالمية، بما في ذلك اللقاحات، وبدأت في شكلها الحالي في عام 2000، بعد أن ترك غيتس منصب الرئيس التنفيذي في مايكروسوفت، عملاق التكنولوجيا الذي شارك في تأسيسه. واستثمرت المؤسسة بكثافة في تكنولوجيا الزراعة، بما في ذلك نوع من بذور الذرة التي تزدهر في درجات حرارة أعلى وفي ظروف أكثر جفافاً، والمعروفة باسم D DryTEGO.
تم تطوير البذور لأول مرة في إطار برنامج مؤسسة التكنولوجيا الزراعية الأفريقية، التي منحتها مؤسسة غيتس 131 مليون دولار منذ عام 2008. ومنذ ذلك الحين، أنفقت المؤسسة 1.5 مليار دولار على المنح التي تركز على الزراعة في إفريقيا ، وفقًا لـ Candid، وهي منظمة غير ربحية تبحث في العطاء الخيري. ويشير غيتس إلى إمكانات النمذجة التنبؤية باستخدام الذكاء الاصطناعي لمعالجة تسلسل الجينوم للمحاصيل جنبًا إلى جنب مع البيانات البيئية واستحضار رؤية قائمة على البيانات لما ستحتاج المزارع أن تبدو عليه في المستقبل.
من هذا النموذج الحاسوبي، يمكن للباحثين تحديد نوع النبات الأمثل لمكان معين. أو يمكنهم القيام بالعكس: تحديد المكان الأمثل لزراعة محصول معين. وما تزال التكنولوجيا في مراحلها الأولى، لكن النماذج التنبؤية المماثلة، التي تتوقع الأماكن التي قد تتعرض فيها المزارع لأنواع غازية أو بأمراض المحاصيل، على سبيل المثال، قد شهدت بالفعل نتائج هائلة. إن إنفاق المؤسسة على التنمية الزراعية هو السبب في أن نظرة غيتس حول كيفية استجابة البلدان لانعدام الأمن الغذائي قد اكتسبت أهمية متزايدة في عام بلغ فيه عدد الجوع الحاد 345 مليون شخص حول العالم.
وقال برنامج الغذاء العالمي في يوليو إن هذا العدد يمثل زيادة بنسبة 25% عما قبل غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير، وقفزة بنسبة 150% عما قبل تفشي وباء كورونا في ربيع عام 2020. ومع ذلك، عند تكليف التكنولوجيا بدور بارز في معالجة أزمة الغذاء العالمية، يضع غيتس نفسه على خلاف مع النقاد الذين يقولون إن أفكاره تتعارض مع الجهود العالمية لحماية البيئة. وأشاروا إلى أن مثل هذه البذور تحتاج عمومًا إلى مبيدات الآفات والأسمدة القائمة على الوقود الأحفوري لتنمو، ويؤكد النقاد أيضًا أن نهج غيتس لا يعالج إلحاح الأزمة.ويستغرق تطوير ”البذور السحرية“ سنوات ولن يقدم الإغاثة على الفور للبلدان التي تعاني حاليًا من معاناة واسعة النطاق لأنها تعتمد على واردات الغذاء أو تعاني من حالات جفاف تاريخية.
التوظيف الجيد للذكاء
يؤمن غيتس بالتوظيف الجيد للذكاء لتحقيق المستحيل، وذلك من خلال العمل الجاد ومحاولة النجاح قدر المستطاع. وكان يحلم بأن يرى “جهاز حاسوب على كل طاولة، وبرنامج مايكروسوفت في كل حاسوب”، قائلا إن “زبائنك غير الراضين عنك هم أعظم مصدر لتعلمك”.
يرى أن “عالم البرمجة مليء بالمفاجآت”، قائلا “نحن لا ندري من أي جهة ستأتي الفكرة العظيمة المقبلة”، ويعد في المقابل أن التكنولوجيا ” شيء مدهش لكنها لن تنقذ العالم، ولن تلبي احتياجات الأشخاص الأكثر بؤسا في العالم”. اعترف بيل غيتس بأنه يشعر “بالندم والغباء الشديد” لأنه لا يعرف، ولم يتعلم أي لغات أجنبية، وأنه كان “يتمنى تعلم اللغة العربية أو الفرنسية أو الصينية”. وأسس عام 2000 مؤسسة “بيل وماليندا غيتس الخيرية” بحجم إنفاق يصل إلى أربعة مليارات دولار سنويا، من أجل مساعدة الفقراء، ومحاربة الأمراض الفتاكة في البلدان المتخلفة، وتقديم منح دراسية للطلبة. كما قام غيتس رفقة مارك زوكربيرغ، مؤسس فيسبوك، ووارن بافيت رجل الأعمال الأميركي عام 2010 بتوقيع مذكرة تنص على التبرع بنصف ثروتهم لفائدة الأعمال الخيرية. ألف بيل غيتس عدة كتب منها “طريق المستقبل”، و”الأعمال وسرعة الفكر” عام 1999، وترجم إلى 25 لغة، و”الطريق إلى الأمام” الذي صدر عام 1995. و حصل بيل غيتس على لقب الفارس من ملكة بريطانيا إليزابيت عام 2005 بسبب أعماله الخيرية، ونال أربع جوائز دكتوراه فخرية من جامعة الأعمال بهولندا عام 2000، والمعهد الملكي للتكنولوجيا في السويد عام 2002، وجامعة “واسيدا” في اليابان عام 2005، وجامعة هارفارد عام 2007.