التطورات الأخيرة في أسواق السلع الأساسية، لا توفر ما يبشر بقوة الاقتصاد الكلي العالمي، رغم قوة قطاع الاستهلاك في الولايات المتحدة، وتسارع أداء الاقتصاد الأمريكي، خلال الربع الثالث من 2023.وقال بنك QNB في تقرير الأسبوعي: إن التصحيح الحاد بأسعار السلع المتأثرة بالعوامل الدورية يشير إلى وجود مزيد من الرياح المعاكسة للنمو، في حين تظهر أسعار المعادن الثمينة إلى ارتفاع الطلب على أصول الملاذ الآمن.
واعتبر التقرير أن حالة عدم اليقين أمر بالغ الأهمية بالنسبة للتوقعات الاقتصادية العالمية، إذ تشير أسعار السلع الأساسية إلى أن المرحلة الأسوأ في النشاط الاقتصادي لم تنته بعد.وأضاف، ظلت أسواق السلع الأساسية تشهد نوبات غير مسبوقة من التقلبات والاختلالات منذ بداية جائحة فيروس كورونا في أوائل عام 2020، وكانت الصدمات التي تعرضت لها هذه الأسواق كبيرة لدرجة أن الأسعار تأرجحت بين الصعود والهبوط في فترة قصيرة نسبيا، خلال السنوات القليلة الماضية.
وأشار إلى أن الصدمة السلبية في الطلب الناتجة عن جائحة كوفيد-19، أدت إلى ضغوط انكماشية، دفعت أسعار السلع الأساسية بسرعة إلى أدنى مستوياتها منذ عدة عقود، مبينا أن مؤشر بلومبرغ للسلع، وهو مؤشر رئيسي للتحركات العامة في أسعار السلع، شهد انخفاضا من يناير إلى أواخر أبريل 2020، بينما أدت سياسات التحفيز غير المسبوقة لاحقا إلى تعاف كبير في الاقتصاد العالمي، مما وفر الدعم لأسعار السلع الأساسية.
وأوضح أنه بعد فترة من التعافي الاقتصادي القوي، أدى فائض الطلب العالمي، جنبا إلى جنب مع نقص المعروض والصدمة الناتجة عن النزاع الروسي الأوكراني، إلى دوامة من ارتفاع الأسعار في أواخر عام 2021 وأوائل عام 2022، حيث وصلت الأسعار إلى ذروتها خلال الفترة من منتصف العام الماضي حتى نهايته، قبل أن تشهد عملية تصحيح كبيرة.
وعزا التقرير السبب وراء ذلك إلى تباطؤ أداء الاقتصاد الصيني، وارتفاع التضخم الذي قلص الدخل الحقيقي، والزيادة غير المتوقعة في إمدادات النفط على خلفية استخدام المخزونات الاستراتيجية.
ونبه إلى أن تحركات الأسعار تعتبر مهمة لآفاق الاقتصاد العالمي، حيث توفر تطورات أسعار بعض السلع معلومات عن الاقتصاد الكلي، بما في ذلك الاتجاهات العامة للمعنويات والتضخم، والتي يمكن أن تكون مؤشرا للتوقعات الكلية في الأشهر المقبلة، وتنحصر في 3 اتجاهات إذ يبدو أولا أن الأسعار غير متوافقة مع سيناريو الهبوط الناعم، أي فكرة إمكانية إعادة معدلات التضخم إلى النسب المستهدفة التي حددتها البنوك المركزية الكبرى من دون التسبب في ركود، بينما في الواقع تشير الأسعار إلى أن حدوث ركود خفيف بالاقتصادات المتقدمة الكبرى أمر لا مفر منه حيث يتضح ذلك في عملية التصحيح الكبيرة التي شهدتها أسعار السلع الأكثر تأثرا بالتقلبات الدورية، كالطاقة والمعادن الأساسية.
وأشار التقرير في ذات الصدد إلى أنه في مجال الطاقة، انخفضت أسعار خام برنت بنسبة 37 بالمئة من ذروتها الأخيرة، رغم أنها لا تزال أعلى قليلا من مستويات ما قبل الجائحة.
أما في مجال المعادن الأساسية ومنتجات الغابات، فقد تهاوت أسعار النحاس والخشب، وهما مؤشران مهمان للنشاط في الصين والولايات المتحدة، من المستويات المرتفعة الأخيرة، ويشير مثل هذا الأداء السعري إلى أن الرياح المعاكسة لا تزال تهيمن على توقعات النمو العالمي، رغم تسارع أداء الاقتصاد الأمريكي مؤخرا.
ثانيا، تشير أسعار المعادن الثمينة إلى ضعف الاقتصاد العالمي، وتقترب أسعار الذهب من أعلى مستوياتها على الإطلاق، ومع ذلك، فإن أسعار الفضة، وهي من المدخلات الأساسية للاقتصاد الجديد (صناعات التكنولوجيا والطاقة النظيفة)، تعتبر أقل بكثير من المستويات المرتفعة المسجلة مؤخرا، وشهدت انخفاضا ملحوظا في الأشهر الأخيرة، ويظهر هذا الأمر إلى أنه تم تخفيف بعض الضغوط من الاقتصاد الحقيقي، حيث يميل الطلب على الفضة للتأثر بالعوامل الدورية.
ثالثا، يشير اقتران قوة أسعار الذهب بانخفاض عوائد سندات الخزانة الأمريكية لعشر سنوات في الأشهر الأخيرة إلى أن المستثمرين أصبحوا الآن يعتقدون أن عدم اليقين يتزايد وأن الاقتصاد العالمي سيتباطأ بشكل أكبر، في حين يبدو أن الذهب قد انفصل عن اتجاهات التضخم منذ الجائحة، إلا إنه يظل أحد أصول الملاذ الآمن التقليدية، التي يمكن الاحتفاظ بها في أوقات عدم اليقين والتطورات الكلية السلبية.
وخلص التقرير إلى أن ارتفاع الطلب على فئات أصول الملاذ الآمن، التي تعتمد على بيئة الاقتصاد الكلي، يميل إلى الارتباط بالانكماش الدوري، وليس بفترات تسارع الأداء الاقتصادي.