سجل العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين العام الماضي أقل مستوياته خلال عقد من الزمان، وهو ما يعطي انطباعا بأن ذلك يبدو وكأنه فكا للارتباط الاقتصادي بين البلدين، بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب على الصادرات الصينية في العام 2018. وكانت وزارة التجارة الأمريكية أعلنت مؤخرا أن إجمالي العجز التجاري الأمريكي في السلع تقلص في العام الماضي إلى 1.1 تريليون دولار من 1.2 تريليون دولار في عام 2022. وكنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، انخفضت إلى 3.9 بالمئة، وهو أدنى مستوى منذ أكثر من عقد.
وأوضحت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في تقرير لها، أن معظم التقليص كان بسبب فجوة خلفتها المنتجات الصينية، حيث انخفض هذا بأكثر من 100 مليار دولار، إلى 281 مليار دولار العام الماضي، وهو أدنى مستوى منذ عام 2010. بيد أن الصحيفة أشارت إلى أن الولايات المتحدة لم تقلع عن عادة الاستيراد الصينية بالقدر الذي تشير إليه البيانات، حيث إن المصنعين الصينيين والغربيين وجدوا طرقا عديدة للالتفاف حول التعريفات الجمركية، ومن المرجح أن يضاعفوا هذه الجهود إذا ارتفعت الرسوم.
وذهبت الصحيفة إلى القول، إن العجز التجاري المتقلص يظهر مبالغة في تقديره لمقدار تخفيض الولايات المتحدة لاستهلاكها لمنتجات صينية الصنع، مضيفة أنه مع احتدام الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، نقل المصنعون إنتاجهم لدول أخرى غير الصين لتجنب الرسوم الجمركية الأمريكية المضروبة على المنتجات الصينية مثل المكسيك وفيتنام.
وأردفت أنه ووفقا لذلك، قفز العجز التجاري الأمريكي مع المكسيك إلى 152 مليار دولار العام الماضي، أي أكثر من ضعف الرقم المسجل في عام 2017. واستوردت الولايات المتحدة العام الماضي من المكسيك أكثر مما استوردته الصين للمرة الأولى منذ 15 عاما على الأقل. وبلغ العجز مع فيتنام 105 مليارات دولار العام الماضي، أي ما يقرب من ثلاثة أضعاف مستوى عام 2017.
ولفتت إلى أن جزءا كبيرا من قيمة تلك الواردات المتزايدة من فيتنام والمكسيك تتألف في الواقع من مدخلات مصدرها الصين في الأصل. ونقلت عن معهد ماكينزي العالمي مؤخرا، أنه حتى مع انخفاض حصة الصين من الواردات المصنعة في الولايات المتحدة من عام 2017 إلى عام 2020، فإن حصتها في القيمة المضافة في السلع المستهلكة في الولايات المتحدة ارتفعت فعليا.
وأشارت شركة ماكينزي، على سبيل المثال، إلى أنه بين عامي 2017 و2022، ارتفعت واردات الولايات المتحدة من أجهزة الكمبيوتر المحمولة من فيتنام بنفس القدر الذي ارتفعت به الواردات الفيتنامية من أجزاء الكمبيوتر المحمولة من الصين. أنه وعلاوة على ذلك، تقوم الشركات الصينية باستغلال بند عمره عقود في قانون التجارة الأمريكي يسمح للطرود التي تقل قيمتها عن 800 دولار بدخول الولايات المتحدة معفاة من الرسوم الجمركية.
وأضافت الصحيفة أن البيانات الفيدرالية التي جمعها الخبير الاقتصادي في جامعة /ييل/ أميت خاندلوال، أن عدد الطرود التي تدخل الولايات المتحدة بموجب استثناء “الحد الأدنى” هذا قد تضاعف ثلاث مرات منذ عام 2017 ليصل إلى مليار في العام الماضي.. موضحة أن ذلك لا يعني أن الرسوم الجمركية لم يكن لها أي تأثير، مشيرة إلى أن الرسوم الجمركية خفضت واردات المنتجات المتضررة بنسبة 30 بالمئة.
وشددت “وول ستريت جورنال” على أن العقبة الأساسية أمام فك الارتباط بين البلدين هو أن موقع الصين المهيمن في التصنيع العالمي يجعل من الصعب العثور على بدائل، فاقتصادها يعمل على تصنيع أكثر مما يستطيع استهلاكه، وهو ما يملي عليها تصدير الفائض.
وأشارت تقارير في وقت سابق إلى سعي مجموعة من المشرعين الأمريكيين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي نهاية العام الماضي لحث الإدارة الأمريكية على زيادة الرسوم الجمركية على السيارات صينية الصنع واستكشاف سبل لمنع الشركات الصينية من تصدير إنتاجها إلى الولايات المتحدة من المكسيك.
ونقلت الصحيفة عن براد سيتسر من “مجلس العلاقات الخارجية” توقعاته، أن تضاعف الصين جهودها للتهرب من الرسوم الجمركية المرتفعة أو تحييدها، لافتا إلى أن واحدة من أساليب تفادي الرسوم الجمركية هي تفكيك المنتج وشحنه إلى طرف ثالث بحيث لا يكون محتوى صينيا بنسبة 100 بالمئة، وتعبئته كتصدير من طرف ثالث. وأضاف، أن شركاتها ستستفيد بشكل أكبر من استثناء “الحد الأدنى” المستثنى من تلك الرسوم وفقا للقانون الأمريكي.
وذكرت الصحيفة، أن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة والصين مقدر لهما أن تبقيا مرتبطتين، مضيفة أنه تاريخيا، تتحرك سلاسل التوريد تدريجيا، وفي كثير من الأحيان، يتم نقل خطوة أو مكون واحد فقط إلى الخارج وذلك قبل أن يتطور نظام الموردين. وأشارت إلى أنه وبمرور الوقت، يبدو أن المكون الصيني في واردات الولايات المتحدة من دول ثالثة متجه للانخفاض.
ونسبت الصحيفة إلى سيتسر بأنه يتوقع أن تقوم الصين، للتعويض عن الصادرات المفقودة إلى الولايات المتحدة، بخفض عملتها لتعزيز الصادرات إلى البلدان التي لم ترفع رسومها الجمركية، مما يؤدي إلى توسيع وجود الشركات الصينية في تلك الاقتصادات.
وذكرت الصحيفة أنه يمكن للولايات المتحدة حينها أن تحاول منع الواردات من تلك الشركات من خلال فرض الرسوم الجمركية على جميع تلك الواردات، وليس فقط من الصين. إلا أن الصحيفة اختتمت تقريرها بالقول: إن هذه وصفة لفك ارتباط الولايات المتحدة، ليس فقط عن الصين، بل عن العالم أجمع.