تحد جديد للاقتصاد الأمريكي في الفترة القادمة، يتعلق بارتفاع أسعار الفائدة الحقيقية في ضوء تراجع معدلات التضخم، في ظل ما يعرف بأسعار الفائدة الحقيقية (معدل الفائدة التي يتم الحصول عليها بعد احتساب التضخم)، الناتج عن معدلات تضخم منخفضة، يتطلب تقليلا لأسعار الفائدة، لتأثيره السلبي على الأداء الاقتصادي، مما جعل الصحيفة تتساءل متى يكون خفض أسعار الفائدة؟ وما مقدار ذلك الخفض؟.
وأوضحت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية في تقرير لها رغبة صناع السياسات في تحرك حذر نحو خفض أسعار الفائدة لأنهم غير متأكدين مما إذا كان تباطؤ التضخم الأخير سيستمر أو ما إذا كان الاقتصاد سينتعش بطريقة تؤدي إلى ارتفاع التضخم إلى حد ما، حيث ذكر العديد من المسؤولين أنهم يريدون تجنب خفض أسعار الفائدة بأي ثمن، بحيث لا يضطرون إلى رفعها مرة أخرى.
بيد أن الصحيفة سرعان ما قالت إن اجتماع السياسة النقدية غدا الأربعاء، لن يشهد خفضا في أسعار الفائدة، معللة ذلك بأن نسبة التضخم باستثناء الغذاء والطاقة على أساس شهري بلغ 2 بالمئة أو أقل في ستة أشهر من الأشهر السبعة الماضية، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي يريد التأكد من إمكانية استمرار هذا الانخفاض قبل تقليل أي أسعار للفائدة، وذلك في ظل وجود اقتصاد آخذ في النمو بصورة قوية.
وأضافت أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي من المرجح أن يتخذوا في الاجتماع المنتظر خطوة رمزية، ولكنها مهمة، وذلك بالتوقف عن الإشارة في بيان سياستهم النقدية إلى أن أسعار الفائدة من المرجح أن ترتفع أكثر من الانخفاض، مشيرة إلى أن التخلص مما يسمى بالتحيز التشديدي في السياسة النقدية من شأنه أن يؤكد أن المسؤولين سيقبلون بأسعار فائدة أقل في الأشهر المقبلة.
ونقلت الصحيفة عن دين ماكي، كبير الاقتصاديين في صندوق بوينت 72 لإدارة الأصول قوله إن بنك الاحتياطي الفيدرالي سينتظر حتى يونيو المقبل، لخفض أسعار الفائدة، لأن النمو والتوظيف سيتجاوزان توقعاتهما هذا العام.
وفي توقع متفائل آخر، نسبت الصحيفة لليليام إنجليش، الخبير الاقتصادي السابق في بنك الاحتياطي الفيدرالي وأستاذ في كلية ييل للإدارة أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي إذا حصلوا على أرقام تضخم مطمئنة حقا وبدا لهم أن الاقتصاد الحقيقي يتباطأ قليلا، فيمكنهم أن يشعروا بالارتياح تجاه التخفيض في مارس المقبل.
بيد أن وول ستريت جورنال لفتت إلى أنه عادة ما يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة لأن النشاط الاقتصادي يتباطأ بشكل حاد، إلا أنها أشارت إلى أن هذه المرة لا ينطبق عليها هذا الوضع، فقد ظل النمو قويا على نحو مدهش حتى نهاية العام الماضي. مضيفة أن ما يفكر به مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي وما يناقشونه هو ما إذا كان تراجع التضخم يعني أن أسعار الفائدة الحقيقية ستقيد نشاط الاقتصاد إذا لم يخفضوا سعر الفائدة.
وبهذا الخصوص، نقلت الصحيفة عن دين ماكي قوله إن المخاوف من أن يؤدي انخفاض التضخم إلى رفع أسعار الفائدة الحقيقية وبالتالي تضرر الاقتصاد، هي مخاوف في غير محلها، لأنه انخفاض التضخم سيعزز أيضا القوة الشرائية وثقة المستهلك والإنفاق.
من جهته شدد ليليام إنجليش، أن النمو يتعزز عندما ينخفض التضخم، مضيفا أنه لا يستطيع استحضار أمثلة في العقود العديدة الماضية يضعف فيها النمو بعد انخفاض التضخم.
وذكرت الصحيفة أن الاقتصاد كذلك يمكنه تحمل معدلات فائدة أعلى من ذي قبل، مستشهدة بشهر ديسمبر الماضي قدر المسؤولون ما يسمى بمعدل الفائدة المحايد (المعدل الذي لا يعيق النمو الاقتصادي ولا يحفزه) عند 2.5 بالمئة، ويعتبر ذلك أقل بكثير من معدل الفائدة الفعلي الحالي الذي يتراوح بين 5.25 بالمئة و5.5 بالمئة، فإن الاقتصاد لم يضعف نشاطه، في ظل سعر الفائدة الفعلي الذي يعتبر معدلا تقييديا.
وقالت وول ستريت جورنال أن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي رفعوا أسعار الفائدة بسرعة إلى أعلى مستوى لها منذ 22 عاما، وأرسلوا خططا لإبقائها عند هذا المستوى لفترة من الوقت لأنهم كانوا قلقين من أن الأمر قد يستغرق سنوات حتى يتراجع التضخم إلى هدفهم، إلا أن الصحيفة ذكرت أن التضخم انخفض بشكل أسرع بكثير مما توقعوه، كما وارتفعت الأسعار باستثناء المواد الغذائية والطاقة بمعدل سنوي 1.9 بالمئة بين يوليو وديسمبر، بانخفاض من 4 بالمئة في فترة الستة أشهر التي سبقت ذلك.
ونسبت الصحيفة إلى إستير جورج، التي شغلت منصب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في /كانساس سيتي/ من عام 2011 حتى العام الماضي، اليها القول إنهم قاموا بتشديد في السياسة النقدية بصورة قوية، مضيفة أن لا تنظروا فقط إلى العرض الذي عاد، ولكن أيضا إلى الطلب الذي انخفض العام الماضي، وان هناك مجالا كبيرا لخفض أسعار الفائدة.
وتابعت إستير جورج أن صناع السياسات لديهم الحق في القلق من أن خفض أسعار الفائدة ثم رفعها مرة أخرى من شأنهما أن تضرر مصداقيتهم. لكنها اختتمت أن الخطر الأكبر الآن هو أن استغراق وقت طويل للغاية لخفض أسعار الفائدة يسبب ضررا لسوق العمل يصعب إصلاحه.