مع قيام إسرائيل وإيران حاليًا بالإشارة إلى احتمال حرب شاملة، فإن السيناريوهات المدمرة المحتملة التي يلمح إليها كلا الخصمين تشير إلى صورة مختلفة جذريًا عن أي صراع قبل ذلك بالنسبة إلى مصدري الطاقة وكذلك مستوردي الطاقة في المنطقة، حيث أن الهجوم المباشر على البنية التحتية للنفط والبتروكيماويات في إيران من شأنه أن يؤدي إلى زيادة حالة عدم اليقين في أسواق الطاقة الدولية إلى مستويات عالية جديدة. ولهذا السبب، تشعر إدارة بايدن بالقلق بشكل خاص من أي ضغوط تصاعدية غير مرحب بها على أسعار البنزين المحلية في الولايات المتحدة خاصة مع الاقتراب من الانتخابات الرئاسية الأميركية التي ينتظر إجراؤها الشهر المقبل”.
وتظهر المؤشرات أنّ الاقتصاد الإسرائيلي يتعرض لخسائر ضخمة، ويدفع فاتورة كبيرة جراء تصعيد الحرب التي بدأت في أكتوبر من العام الماضي، ويتضح ذلك من خلال عدة مؤشرات وتوقعات أصدرها بنك إسرائيل ويحذر بيتر ديكسون، رئيس قسم المخاطر القطرية لمنطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا في شركة BMI التابعة لـ( Fitch Solutions) من طول أمد الصرع بسبب تأثيراته السلبية في المالية العامة لإسرائيل من ناحية والضغوط التي يمثلها على توجهات السياسة النقدية من ناحية أخرى.
واعتبر أنّه كلما طال أمد الحرب، زاد احتمال تحول الموارد في إسرائيل بعيدًا عن القطاعات الإنتاجية والقطاع الخاص لتتوجه نحو الأغراض العسكرية، ما يؤدي إلى نتيجتين: استمرار الضغط على المالية العامة، حيث كان العجز يتجاوز الهدف بنسبة 7.3% من الناتج المحلي الإجمالي في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024.
وأوضح ديكسون أن المشكلة الثانية هي أن ذلك سيؤدي إلى تفاقم النقص المتزايد في العرض، وهو ما من شأنه أن يفرض ضغوطًا تصاعدية على الأجور المرتفعة بالفعل والتضخم، ما يشكل معضلة أمام البنك المركزي الإسرائيلي الذي سيتعين عليه الموازنة بين الحاجة إلى السيطرة على التضخم ودفع النمو. ومع اهتمام بنك إسرائيل أيضًا بضمان بقاء علاوة مخاطر الأصول تحت السيطرة في حالة تزايد عدم اليقين، فقد لا يكون لديه مجال كبير لتقديم الدعم النقدي إذا تعرض النمو لضغوط.
الجدير بالذكر أن بنك إسرائيل المركزي قرر في 9 أكتوبر الجاري الإبقاء على معدلات الفائدة عند 4.5%. وكان محافظ البنك أمير يارون أكد في مؤتمر صحافي أعقب القرار أن للحرب تداعيات كبيرة على الاقتصاد الإسرائيلي، وأضاف: “إننا نواجه تحديات اقتصادية كبيرة، والتعامل معها يتطلب اتباع سياسة اقتصادية مسؤولة، مالية ونقدية، لضمان استمرار المتانة المالية والنمو الاقتصادي في المستقبل”.
قبل الحرب، كانت معدلات الفائدة عند 4.75%، لكن المركزي الإسرائيلي قام بخفضها في مطلع يناير 2024، بهدف دعم النشاط الاقتصادي المتضرر من الحرب لتصل إلى 4.5% ثم قام بتثبيتها منذ ذلك الحين.
وخفض بنك إسرائيل المركزي توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في إسرائيل إلى 0.5% خلال عام 2024، مقابل 2% خلال العام الماضي. في حين كانت التوقعات السابقة تشير إلى نمو يصل إلى 1.5% هذا العام.
ويرجع تخفيض توقعات النمو إلى تدهور الوضع الأمني في إسرائيل، ما يتسبب في انخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي خاصةً الربع الأخير من عام 2024، بحسب المركزي الإسرائيلي.
ويؤكد ديكسون : “من الصعب أن نرى نمو الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024 يقترب من 1%، وهو ما سيمثل أداء مخيبًا للآمال مقارنة بالتوقعات في بداية العام. تقدم المؤشرات صورة مختلطة. لا يزال النشاط التجاري صامدًا ولكن ليس لديه الكثير من الزخم، على الرغم من أن مؤشر مديري المشتريات التصنيعي ثابت فوق مستوى 50 نقطة. ولكن يبدو أن النشاط الاستهلاكي قد تباطأ مع إحجام المستهلكين عن تقديم الائتمان لتمويل الإنفاق”.
وخلال شهر أكتوبر الجاري، رفع المركزي الإسرائيلي توقعاته لارتفاع التضخم هذا العام بمقدار 0.8% ليصل متوسط معدلات التضخم خلال 2024 إلى 3.8% مقابل 3.3% فقط في 2023.
قفز عجز الموازنة في إسرائيل خلال 9 أشهر من العام الحالي إلى 92.8 مليار شيكل (25 مليار دولار) مقارنة بـ4.1 مليار شيكل فقط (1.1 مليار دولار) في نفس الفترة من 2023.
ويتوقع بنك إسرائيل أن امتداد الحرب إلى عام 2025 سيؤدي إلى وجود قيود على العرض ما يعوق انتعاش النشاط الاقتصادي، في حين يؤدي استمرار الحرب العام المقبل إلى زيادة العجز والديون بسبب ارتفاع نفقات الدفاع وتأثير ذلك في النشاط والإيرادات الضريبية، ما يستلزم تعديلات إضافية في الميزانية، بحسب بنك إسرائيل. وتتفق توقعات فيتش مع هذه التوقعات، إذ يقول ديكسون: “ستكون تكاليف تمويل الحرب كبيرة، إذ من المتوقع أن تصل نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نحو 70% بحلول نهاية عام 2025. ومع ذلك، لدى إسرائيل مساحة مالية كبيرة لاستيعاب مثل هذا الارتفاع. على المدى الطويل، يتمثل أحد المخاطر في الضرر المحتمل لسمعة إسرائيل كموقع تجاري، ما قد يشجع العمال الشباب على الهجرة… ويضغط على قطاع التكنولوجيا المهم”.
وكانت وكالة فيتش للتصنيف الائتماني قد خفضت التصنيف الائتماني لإسرائيل في أغسطس الماضي من “A+” إلى “A” مع توقعات مستقبلية سلبية، وفي أكتوبر الجاري، اتخذت وكالة إس آند بي غلوبال للتصنيفات الائتمانية قرارًا مشابهًا إذ خفضت التصنيف الائتماني لإسرائيل إلى “A” من “A+”، مع نظرة مستقبلية سلبية. ومن المتوقع أن يبلغ عجز الموازنة الحكومية 7.2% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2024، و4.9% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2025. ومن المتوقع أن يرتفع الدين العام إلى نحو 68% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024، ونحو 69% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2025.