جارى فتح الساعة......

نجا الاقتصاد الأمريكي حتى الآن من الوقوع في فخ الركود، حيث توقعت غالبية الشركات الكبرى في وول ستريت أكثر من مرة حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي خلال العام 2023. وبعد مرور أكثر من 6 أشهر من عام 2023، لا يوجد حتى الآن أي مؤشر على انكماش الإنتاج كما كان متوقعاً، حيث يتحرك اقتصاد الولايات المتحدة بمسارات مخالفات لتوقعات الخبراء والمؤسسات الاقتصادية العالمية، بحدوث ركود اقتصادي في عام 2023 وفي النصف الثاني منه على أبعد تقدير، كنتيجة حتمية لرفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة منذ مارس الماضي بشكل متتالي ومتسارع لمواجهة التضخم المرتفع.

الركود هو أن يتراجع نمو الناتج المحلي الإجمالي لبلد ما في ربعين سنويين متتالين، بحيث يصبح نمواً سلبياً أي أدنى من صفر بالمئة، ويعرّفه المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية في الولايات المتحدة بأنه “الانخفاض الكبير في مستويات النشاط الاقتصادي، والذي يستمر لأكثر من بضعة أشهر، والمتمثل في انخفاض مستويات الإنتاج والتوظف والدخل الحقيقي وغيرها من المؤشرات”، وغالبا ما يبدأ الركود عندما يصل الاقتصاد إلى قمة النشاط، وينتهي عندما يصل الاقتصاد الى أدنى مستوياته.

ورفع الفيدرالي الأميركي اعتباراً من مارس 2022، معدل الفائدة 10 مرات، ما أدى إلى تراجع معدل التضخم السنوي إلى 4 بالمئة خلال مايو الماضي، بعد أن وصل في منتصف 2022 إلى أعلى مستوياته في نحو 4 عقود متجاوزاً الـ9 بالمئة، ولكنه مع ذلك لا يزال بعيداً عن مستهدف المركزي الأميركي البالغ 2 بالمئة، وهو ما دفعه لتوقع رفعين متتالين للفائدة حتى نهاية 2023 بواقع 25 نقطة أساس لكل منها، بعد قراره منتصف يونيو الماضي تثبيت معدلات الفائدة الرئيسية ضمن نطاق 5 و5.25 بالمئة للمرة الأولى منذ يناير 2022.

وكشفت دراسة للبنك الدولي صدرت في سبتمبر 2022، عن أن العالم قد يتجه نحو ركود اقتصادي في 2023 وسلسلة من الأزمات المالية في اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية ستُسبِّب لها ضرراً دائماً، وذلك مع قيام البنوك المركزية في أنحاء العالم بزيادات متزامنة لأسعار الفائدة لمكافحة التضخم. وأضافت الدراسة أن “أكبر ثلاثة اقتصادات في العالم -وهي الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو- تشهد تباطؤاً حاداً للنمو، وأن مجرد وقوع صدمة خفيفة للاقتصاد العالمي خلال 2023 قد تهوي به في غمرة الركود”.

وعزز البنك توقعاته منذ بداية العام الجاري عندما رجح اقتراب الاقتصاد العالمي بشكل خطير من وضع الركود الاقتصادي، حيث راجعت المؤسسة الدولية توقعاتها لكل البلدان المتقدمة تقريباً ولثلثي البلدان الناشئة أو النامية، على أن “تسجل الولايات المتحدة خصوصاً نمواً ضعيفاً (0.7 بالمئة) مع انعدام النمو في أوروبا”. ومع بداية العام الجاري، حذرت رئيسة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، من أن عام 2023، سيكون أصعب على الاقتصاد العالمي من العام الماضي، وتوقعت أن يدخل ثلث الاقتصاد العالمي في حالة ركود لأن “الاقتصادات الثلاثة الكبرى، الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين، تتباطأ جميعا في وقت واحد”.

بدورها توقعت دراسة استطلاعية نشرت في مارس 2023، أن الولايات المتحدة ستدخل على الأرجح في حالة ركود هذا العام، وستواجه تضخماً مرتفعاً حتى عام 2024. جاء ذلك في رد غالبية من الخبراء الاقتصاديين على استطلاع أجرته الرابطة الوطنية لاقتصاديات الأعمال (NABE). وفي المقابل حدد الاقتصاديون في بنك يو بي إس السويسري قائمة من أسباب لعدم حدوث الركود حتى الآن، والأدلة التي تظهر أن الاقتصاد الأمريكي أكثر مرونة بكثير مما يعتقده العديد من الخبراء، وذلك باستخدام تعريف المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية لمصطلح الركود ، والذي يتتبع معايير مثل الاستهلاك والإنتاج والبطالة.

حيث عملت المدخرات التي تحققت خلال فترة الوباء كواق ضد ارتفاع تكاليف المعيشة، داعمة الاستهلاك في الاقتصاد الأمريكي. بالإضافة إلى ذلك، أدت الزيادات في أسعار الأصول المالية إلى تعزيز الثروة الإجمالية. من ناحية أخرى، فإن غالبية الرهون العقارية محصورة بمعدلات ثابتة – وقد أدى ذلك إلى حماية هؤلاء المقترضين من تأثير زيادة أسعار الفائدة الفيدرالية.


كذلك يتجه الإنفاق الحكومي للارتفاع مرة أخرى، بعد تراجعه العام الماضي بعد سخاء فترة الوباء، وهذا أيضاً يزيد من حجم الأموال المتاحة في النظام المالي، مما يخفف من حدة حدوث ركود اقتصادي، إلى جانب تحفيز الاستثمار. في حين شهد القطاع الصناعي بعض التباطؤ، فإن حصته من الاقتصاد آخذة في الانخفاض وشهد قطاع الخدمات الأكبر نمواً مستداماً. وقال البنك: كان تعافي استهلاك الخدمات أبطأ، لكنه لا يزال ينمو ويشكل حصة أكبر بكثير في الاقتصاد . وتستمر حصة القطاع الصناعي من القطاع الخاص في الانكماش . في المقابل تطور الاقتصاد الأمريكي تطوراً هيكلياً بطريقة أصبحت أقل عرضة الآن لتقلبات الصعود والهبوط الدورية. وقال البنك: إنه اقتصاد خدمات قائم على المعرفة أصبح أقل حساسية لدورات المخزون وتكاليف الطاقة – ونتيجة لذلك، فإن النشاط الاقتصادي أقل تقلباً ويمكن أن تستمر التوسعات لفترة أطول .

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version