استبعد بنك قطر الوطني QNB حدوث مزيد من الارتفاع في قيمة الدولار الأمريكي عن مستوياته الحالية، متوقعا وصول العملة الأمريكية إلى مستويات متوازنة مع العملات الرئيسية الأخرى تتقبلها الأسواق العالمية، ويرجح أن تكون مدعومة بضيق فجوة النمو بين الولايات المتحدة وبقية دول العالم، بدعم من بداية دورة التيسير النقدي في الولايات المتحدة في وقت لاحق من 2024.
وأشار البنك في تقريره الأسبوعي، إلى أن هناك عدد قليل من المؤشرات التي تنقل معلومات عن اتجاهات الاقتصاد الكلي العالمي بقدر ما تفعل تقلبات أسعار العملات، وينطبق ذلك على أسواق العملات الأجنبية الرئيسة في الاقتصادات المتقدمة، كالدولار الأمريكي، والين الياباني، واليورو، والفرنك السويسري، والجنيه الإسترليني، إذ تعتمد أسعار الصرف على تدفقات رؤوس الأموال، والتي تتأثر بردود الأفعال في الوقت الحقيقي للتوقعات المتعلقة بالرغبة في المخاطرة، والأداء الاقتصادي النسبي، وفروق أسعار الفائدة.
ولفت التقرير إلى أن أسواق العملات الأجنبية الرئيسة شهدت في الأشهر الأخيرة تقلبات كبيرة، إذ شهد مؤشر الدولار الأمريكي (DXY) تقلبات ملحوظة على خلفية التيارات المتقاطعة في الاقتصاد الكلي.
وذكر التقرير في هذا السياق أنه في الربع الثالث من العام الماضي، ووسط التسارع الاقتصادي الكبير، والأداء المتفوق للولايات المتحدة، صعد مؤشر الدولار بنسبة 7 بالمئة من أدنى مستوياته المسجلة في يوليو 2023، وبعد فترة وجيزة، أدت المفاجآت الإيجابية بالولايات المتحدة الناتجة عن انخفاض التضخم إلى تحول موقف بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي ) نحو التيسير، حيث وعد بتخفيض أسعار الفائدة، ما أدى إلى انخفاض سريع في قيمة الدولار إلى أدنى مستوياتها في أواخر ديسمبر 2023، وتغيرت هذه التحركات بالكامل في وقت لاحق بسبب عودة التضخم إلى التسارع بشكل غير متوقع.
وقال التقرير : إنه مع اقتراب مؤشر الدولار من المستويات الحرجة التي شهدناها في سبتمبر 2023، وسط ذروة تدابير التشديد المتخذة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، بدأ المحللون يناقشون الاتجاه المتوقع له، ورأى الكثيرون أنه ينبغي أن يحظى بدعم جيد من قوة أداء الاقتصاد الأمريكي، واحتمال اضطرار البنك الفيدرالي إلى تشديد السياسة النقدية أكثر من نظرائه، على خلفية ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة.
ويتوقع التقرير حدوث انخفاض كبير في قيمة الدولار، عازيا ذلك لـ 3 عوامل، هي: أولا، أن تقييمات الدولار الأمريكي تشير إلى أن هناك مبالغة في تقييماته التي قد تحتاج إلى تعديل، وتتمثل إحدى الطرق الشائعة للنظر إلى تقييمات العملات في تحليل أسعار الصرف المرجحة بالتجارة والمعدلة حسب التضخم، أي أسعار الصرف الفعلية الحقيقية، ومقارنتها بالمتوسط طويل الأجل أو معاييرها التاريخية.
ويعد مقياس سعر الصرف الحقيقي هذا أكثر قوة من أسعار صرف العملات الأجنبية التقليدية لأنه يلتقط التغيرات في أنماط التجارة بين البلدان بالإضافة إلى الاختلالات الاقتصادية في نوعية التضخم وفروقاته، إذ تشير بيانات سعر الصرف لشهر أبريل 2024 إلى أن الدولار هو بالفعل العملة التي تتسم بأكبر قدر من المبالغة في التقييم في العالم المتقدم، حيث تزيد تقييماته بنسبة 18 بالمئة من قيمته العادلة النظرية.
ثانيا، يرجح أن تكون توقعات النمو النسبي في بقية العالم أفضل مما هي عليه في الولايات المتحدة على مدى الأشهر المقبلة، بعد فترة طويلة من الأداء المتفوق للولايات المتحدة، ويبدو أن موجة المفاجآت الاقتصادية السلبية في منطقة اليورو وآسيا قد انتهت، ما يشير إلى أن حالة التشاؤم المفرط قد وصلت إلى نهايتها، وبدأت تعقبها بالفعل مفاجآت إيجابية.
ورأى التقرير أنه بناء على هذه المعطيات فيتوقع أن يتسارع هذا الأمر بشكل أكبر بفضل استمرار تعافي قطاع التصنيع العالمي، فبعد عامين من الركود العميق، بدأت دورة التصنيع العالمية تتحول في حركة من شأنها أن تعود بالفائدة على الاقتصادات ذات الأنشطة الصناعية الثقيلة بأوروبا وآسيا، ونتيجة لذلك فإن فجوة النمو القائمة بين الولايات المتحدة وبقية العالم قد تضيق بشكل كبير عما كان متوقعا في السابق، ما يؤدي إلى انخفاض قيمة الدولار.
ثالثا، أعرب البنك عن اعتقاده بأنه رغم حالة عدم اليقين الحالية بشأن مسار أسعار الفائدة الأمريكية، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي سيطبق تخفيضات أسعار الفائدة في النصف الثاني من 2024.
واعتبر أنه في الوقت الذي تؤثر فيه المخاوف الأخيرة المرتبطة بالتضخم في الولايات المتحدة على توقعات التحركات المقبلة في السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي، فإن النظرة الأكثر شمولا لمؤشرات التضخم الرئيسة تشير إلى عدم وجود ما يدعو للذعر، سيما وأن الاتجاه الهبوطي الكبير في التضخم غير الدوري وضعف سوق العمل يشجعان على تطبيع الأسعار خلال الأشهر المقبلة.
وتوقع أن يقوم البنك الاحتياطي الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة، لأن المعدلات الحالية مرتفعة للغاية بالنسبة لمستوى التضخم الحالي والمتوقع بما سيؤدي إلى تخفيف الظروف المالية العالمية، وسيسمح للبنوك المركزية الأخرى بخفض أسعار الفائدة دون ضغوط غير ملائمة على عملاتها، ومن ثم، فإن أسعار الفائدة الحقيقية بالولايات المتحدة هي حاليا عند مستوى يبرر إجراء تخفيضات في أسعار الفائدة، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تضييق الفوارق بأسعار الفائدة مع الاقتصادات الأخرى، دون التأثير على معدل التضخم المستهدف من قبل بنك الاحتياطي الفيدرالي بنسبة 2 بالمئة.