تحديات كبيرة يواجهها الاقتصاد الفرنسي، ثاني أكبر اقتصاد في أوروبا، خلال العام الحالي، ومعها أصبحت الحاجة ملحة للتغلب على العديد من العواصف قبل أن يصل الاقتصاد إلى مرحلة الاستقرار. وكان بنك فرنسا (البنك المركزي في فرنسا) أعلن مؤخرا أن البلاد شهدت ارتفاعا في حالات إفلاس الشركات خلال عام 2023 بصورة مثيرة للقلق، حيث قفز العدد إلى أكثر من 55 ألفا، وهو مستوى لم تشهده البلاد منذ عام 2017، ويعزى الارتفاع الكبير في حالات الإغلاق إلى حد كبير إلى ارتفاعات كبيرة في الأسعار (التضخم)، لا سيما في قطاع الطاقة، وارتفاع أسعار الفائدة، مما أدى إلى زيادة تكاليف التشغيل للشركات.
ولفتت شبكة “يورو نيوز”، في تقرير لها، إلى أن قطاع التصنيع في فرنسا تدهور مع اقتراب نهاية العام، مشيرة إلى أنه في ظل الضبابية الجيوسياسية (ضبابية تأثير الجغرافيا على السياسة) في الوقت الحالي، فإن تعافي هذا القطاع الحيوي لن يكون سهلا أو سلسا… موضحة أن قطاع التصنيع الفرنسي ظل متدنيا على مدار العام، ليتراجع بشكل أعمق في نهاية عام 2023، مشددة أنه إذا ظل الإنتاج عند نفس المستوى، فهناك احتمال حدوث “ركود فني” داخل القطاع.
وذكرت أنه نظرا لعوامل مختلفة مثل انخفاض الإنتاج وتدهور نشاط الشراء والضغوط على القدرات وانخفاض الإنتاج، قد يواجه القطاع البطالة والدوامة الهبوطية.
كما تطرقت “يورو نيوز” إلى نقص العمالة في فرنسا، حيث ذكرت أن ذلك يعد أحد التحديات الأكثر شيوعا للقطاع الاقتصادي في فرنسا، مضيفة أنه وفقا لتقرير المفوضية الأوروبية الذي نشر في يوليو 2023، فإنه من المتوقع أن يستمر النقص في كل من المهن ذات المهارات العالية والمهن منخفضة المهارات، مدفوعا بخلق وظائف جديدة والحاجة إلى استبدال العمال الذين يتقاعدون.
وأردفت “يورو نيوز” أن حل المشكلة يتمثل في الاعتماد على القوى العاملة المهاجرة التي يمكن أن تؤدي مساهمتها إلى تحقيق مكاسب اقتصادية ومالية إيجابية صافية، مضيفة أن هذا الحل يواجه مصادقة البرلمان الفرنسي على تشريع معني بفرض رقابة صارمة على الهجرة.. معتبرة أن هذه الخطوة تمثل أحد أخطر التحديات في طريق توظيف المهاجرين للتغلب على نقص العمالة.
ووفقا لتقرير صادر عن بنك فرنسا، كانت هناك زيادة مذهلة بنسبة 72 بالمئة في عدد الشركات الكبرى التي أغلقت أبوابها مقارنة بالمعدل المسجل خلال العقد السابق.
تمثل هذه الشركات بقوتها العاملة الواسعة ومساهماتها الكبيرة في الاقتصاد، قطاعا حيويا يتعرض الآن للتهديد.. مشيرة إلى أن 55492 شركة ومنشأة أعلنت إفلاسها في البلاد وأغلقت في عام 2023.
وأشار البنك المركزي الفرنسي إلى أن “المستوى الحالي لعدد حالات الإفلاس لا يتجاوز المتوسط بين عامي 2010 و2019 (59342)، وخلال جائحة فيروس كورونا (2020 -2021) حيث كان هذا المؤشر أقل مرتين مما هو عليه الآن”.
وأوضح تقرير صادر عن يورو نيوز أن الحديث يدور في معظم الحالات عن شركات صغيرة ومتوسطة (55435 حالة)، لا يتجاوز عدد عمالها 250 شخصا. وبلغ عدد الشركات المتوسطة والكبيرة التي يتجاوز عدد عمالها 250 شخصا، وأغلقت العام الماضي 57 شركة أي أكثر بمرتين من عام 2022.
وشعرت قطاعات التجارة والبناء التي تتكون في الغالب من الشركات الصغيرة بوطأة هذا التحول الاقتصادي، حيث تمثل 43 بالمئة من إجمالي حالات الإفلاس.
كما أشارت “يورو نيوز” إلى أن مستويات الديون غير العادية في الاقتصادات الكبرى في العالم تشكل خطرا على فرنسا أيضا، حيث تواجه البلاد تهديد ميزانية تقشفية تؤثر بشكل مباشر على الجوانب المالية للأسر والمستهلكين.
وفي هذا الإطار، أعلن برونو لومير وزير المالية الفرنسي أن بلاده ستواجه “ميزانية تقشفية” في عام 2024. كاشفا أنه بعد استبعاد زيادة الضرائب على الأسرة، احتوت الميزانية على مدخرات بقيمة 16 مليار يورو لخفض العجز إلى 4.4 بالمئة من الناتج الاقتصادي هذا العام. بالإضافة إلى ذلك، تضمنت الميزانية 7 مليارات يورو مخصصة للتحول الأخضر وصفر انبعاثات كربونية.
وأشارت “يورو نيوز” إلى تجاهل وزير المالية مساوئ إجراءات التقشف، وشدد بدلا من ذلك على النمو الاقتصادي بقوله إن هذه الميزانية تمثل جهدا ملحوظا، وهي الخطوة الأولى على مسار خطة طموحة لاستعادة مواردنا المالية العامة.
إلا أن “يورو نيوز” شددت أنه إذا استمرت فرنسا في العمل على ارتفاع تكاليف الاقتراض وتباطؤ النمو، فهناك احتمال حقيقي أنها ستواجه واحدا من أكبر عجز الميزانية في أوروبا هذا العام.. مؤكدة أنه من المرجح أن تستمر منطقة اليورو ككل في الشعور بتأثير التباطؤ الاقتصادي العالمي والذي يمكن رؤيته من خلال مؤشر مديري المشتريات العالمي الذي تم تجميعه من قبل ستاندرد آند بورز ماركت ماركت إنتليجنس، مشيرة إلى أن الاقتصاد الفرنسي مثل الاقتصادات الأوروبية الأخرى، سيحتاج إلى توخي اليقظة طوال عام 2024 من أجل تحقيق الاستقرار في الاقتصاد. وشددت ” يورو نيوز” على أنها ستكون سنة صعبة قادمة.