ارتفعت معدّلات التضخّم عالمياً منذ الربع الثاني العام الماضي بشكل مطرد، حتى صعدت في عديد من الدول لمستويات فوق مستهدفات البنوك المركزية منها الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الذي يفضّل معدّلات تضخّم عند متوسط 2%. وبحسب مؤشر أسعار المستهلكين، وصل التضخّم في أكبر اقتصاد في العالم إلى 5.4% شهر يوليو العام الماضي، أي أكثر من ضعف النسبة المفضّلة للفيدرالي، ثم قفز مع مرور الزمن إلى 7.5% في يناير المنصرم من هذه السنة 2022. وجاءت التوتّرات الجيوسياسية الروسية الأوكرانية لتجتمع مع تعثّر سلاسل الإمداد عالمياً متزامنة مع ارتفاع كبير في الإنفاق الاستهلاكي، لتدفع معدّلات التضخّم في الولايات المتحدّة إلى 9.1% شهر يونيو 2022. وبالفعل، بدأ الاحتياطي الفيدرالي برفع الفائدة بشكل كبير وقياسي ابتداءً من شهر مارس، من مستويات صفرية إلى 2.25%، أي رفع الفيدرالي الفائدة 225 نقطة أساس في فترة ستّة أشهر من الزمن. وعمد الاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة 75 نقطة أساس مرتين متتاليتين، بعد رفعها 25 نقطة شهر مارس و50 نقطة شهر مايو، وكل ذلك لمنع انزلاق الاقتصاد الأميركي إلى حالة اقتصادية خطيرة تسمّى بالركود التضخّمي (Stagflation).
وبعدما قام الفيدرالي برفع الفائدة، انخفض معدّل التضخّم في الولايات المتحدّة إلى 8.5% شهر يوليو من معدّل 9.1% لشهر يونيو 2022، بحسب مؤشر أسعار المستهلكين الصادر من مكتب إحصاءات العمل الأميركي. ويعتبر انخفاض التضخّم الذي حصل شهر يوليو الماضي الأكبر منذ الانخفاض الذي حصل في خضمّ جائحة كورونا، عندما انخفض مؤشر أسعار المستهلكين حينها من 1.5% إلى 0.3%. من ناحية أخرى، لا يقتصر هدوء معدّلات التضخّم على السلع الاستهلاكية المرتبطة في الغذاء والطاقة، بل شهدنا أيضاً استقراراً في معدّل التضخّم الأساسي الذي يستثني هذه السلع عند 5.9%، فقد بدأ انخفاض مؤشر أسعار المستهلكين في القيمة الأساسية Core منذ شهر أبريل، أي بعدما بدأ الاحتياطي الفيدرالي رفع الفائدة أوّل مرّة. الانخفاض في معدّل التضخّم في الولايات المتحدّة الأميركية أعطى آمالاً بألّا تعود فترة الركود التضخّمي التي حدثت ثمانينيات القرن الماضي، حين عانت عديد من الدول في العالم من هذه الحالة الاقتصادية المدمّرة التي يحصل فيها ارتفاع هائل بالأسعار مرافقاً لارتفاع بمعدّلات البطالة وهبوط في النمو الاقتصادي والأجور.
وربما يكون رفع الفائدة سبباً لتراجع النمو الاقتصادي في الولايات المتحدّة، إلا أن هذا التراجع قد يكون صحّياً لأنّه على الأرجح سيزيد من الترشيد الاستهلاكي للمستهلك الأميركي، مثله مثل عديد من المستهلكين في دول أخرى حول العالم التي عمدت البنوك المركزية فيها رفع الفائدة لخفض معدّل التضخّم والارتفاع بالأسعار. أسعار الطاقة ساهم انخفاض معدّل تضخّم أدوات الطاقة من 41.6% إلى 32.9% بخفض مؤشر أسعار المستهلكين، كما انخفض تضخّم أسعار الجازولين من 59.9% إلى 44% في تقليل مخاوف استمرار تأثير أزمة الطاقة على المستهلك الأميركي، بل وانخفض تضخّم كل من زيت الوقود من 98.5% إلى 75.6% والغاز الطبيعي من 38.4% إلى 30.5%.