نقلت صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية تحذيرات أطلقها مسؤولون اقتصاديون، من أن التوجه “المقلق” نحو السياسة الاقتصادية، التي تعمل على تقييد الواردات من البلدان الأخرى عن طريق فرض تعريفات جمركية على البضائع المستوردة، وحصص الاستيراد، ومجموعة متنوعة من اللوائح الحكومية الأخرى، أو ما يعرف بالحمائية الاقتصادية، يهدد بعرقلة تعافي الاقتصاد العالمي، في الوقت الذي يقترب فيه موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.
ونقلت الصحيفة عن أغوستين كارستينز، المدير العام لبنك التسويات الدولية، أن أي محاولة للنكوص عن العولمة (التي تحمل معنى التفاعل والتكامل بين الأشخاص والشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم) واللجوء للحمائية الاقتصادية هو شيء مقلق، لما لذلك من انعكاسات سلبية على مستويات الأسعار والبطالة، فضلا على كبح النمو.
وأشارت الصحيفة إلى أنه مع تقارب دونالد ترامب وكامالا هاريس في استطلاعات الرأي، قد يشهد أكبر اقتصاد في العالم تحولا جذريا في السياسة العام المقبل، إذ تعهد ترامب بفرض رسوم جمركية شاملة بنسبة 20 بالمئة على شركاء أمريكا، فضلا عن فرض ضريبة بمقدار 60 بالمئة على الواردات الصينية. كما يسعى إلى الترحيل الجماعي للمهاجرين غير المسجلين، وتخفيضات ضريبية شاملة.
وتطرقت “فايننشال تايمز” للتقديرات التي رسمها صندوق النقد الدولي، وغيره من الجهات المختصة للضرر الذي يمكن أن يحدث حال اشتعال حرب تجارية تتسم بالمعاملة بالمثل، عند فرض تعريفات جمركية من قبل الولايات المتحدة وأوروبا والصين.
وأردفت أن صندوق النقد الدولي توقع أن يتوسع الاقتصاد العالمي هذا العام والعام المقبل بنسبة 3.2 بالمئة، إلا أن الرسوم واسعة النطاق والإعفاءات الضريبية وتراجع الهجرة وارتفاع تكاليف الاقتراض قد تؤثر على الناتج بنسبة 0.8 بالمئة في عام 2025، و1.3 بالمئة أخرى في عام 2026.
وأشارت الصحيفة إلى أن خبراء الاقتصاد في “مورغان ستانلي” يتوقعون أن تؤدي خطة ترامب للرسوم الجمركية إلى خفض نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الولايات المتحدة بنسبة 1.4 بالمئة، كما توقعوا أن تتسبب في ارتفاع أسعار المستهلك بنسبة 0.9 بالمئة.
كما ذكرت الصحيفة البريطانية أن تقديرات مركز “بدجت لاب” (Budget Lab) بجامعة ييل، وهو مركز للأبحاث المالية، أن النمو سيواجه نفس التأثير، ولكن بارتفاع حاد في الأسعار. ويقدرون أن التدابير التجارية التي اتخذها ترامب قد تكلف الأسر الأمريكية ما يصل إلى 7600 دولار. وأشار تحليل المركز إلى أن الولايات المتحدة ستجني بعض الإيرادات من الرسوم المقترحة لكن ذلك سيكون بتكلفة باهظة على حساب الاقتصاد.
وأضافت فايننشال تايمز أنه مع عمليات الترحيل الجماعي للمهاجرين، فقد حذر محمود برادان، رئيس الاقتصاد الكلي العالمي في شركة أموندي لإدارة الأصول، من أن التوقعات قد تصبح أكثر قتامة.. مبينا أنه إذا كان هناك تأثير سلبي على النمو وانخفاض في الأجور الحقيقية أو القدرة الشرائية للمستهلكين فإن هذا يشبه الركود التضخمي.
من جانبها، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية أنه في المرة التي بدأ فيها دونالد ترامب حربا تجارية مع الصين والاتحاد الأوروبي في عام 2018، خسرت الولايات المتحدة 27 مليار دولار من الصادرات الزراعية.
وأضافت أن ترامب فرض رسوما جمركية على واردات الصلب والألومنيوم وغيرها من السلع المصنعة في الخارج، قائلا إنه كان يهدف إلى حماية الشركات المصنعة المحلية، حيث رد الاتحاد الأوروبي والصين بفرض رسوم جمركية على المنتجات الزراعية الأمريكية.
ومع ذلك، حتى مع تهديد بتكرار ما حدث في حالة فوز ترامب، أشارت الصحيفة إلى أن الكثير من الناخبين الريفيين في ولايات متأرجحة وفي جميع أنحاء الغرب الأوسط ما زالوا يدعمون الرئيس السابق، وغالبا ما يستشهدون بقضايا أوسع نطاقا، مثل أمن الحدود والهجرة غير الشرعية.
وذكرت الصحيفة الأمريكية أن الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن حافظ على العديد من التعريفات الجمركية التي فرضها ترامب على الصين بل وزاد بعضها، بينما رفع إلى حد كبير التعريفات الجمركية التي فرضها على الاتحاد الأوروبي.
وأردفت الصحيفة عن حملة مرشحة الرئاسة الأمريكية كامالا هاريس أنها ستستخدم التعريفات الجمركية “المستهدفة” لدعم العمال الأمريكيين والاقتصاد لكنها لن تستخدم التعريفات الجمركية الأوسع التي اقترحها ترامب. وانتقدت هاريس مرارا وتكرارا مقترحات ترامب بشأن التعريفات الجمركية باعتبارها “ضريبة مبيعات وطنية” على الأمريكيين، لأن الرسوم الجمركية من شأنها أن تجعل السلع أكثر تكلفة، وفقا للصحيفة.
من جانبها، ذكرت وكالة “بلومبيرغ” أن الرسوم الجمركية التي تفرضها الولايات المتحدة تختلف باختلاف الدول والبضائع، فبعض الواردات لا تخضع لجمارك على الإطلاق في حين تخضع بضائع أخرى لرسوم مرتفعة، إذ تبلغ الجمارك 100% على بضائع صينية معينة. وأضافت أنه في 2023، بلغ معدل التعرفة الجمركية “الفعلي” (وهو المتوسط المرجح للتعرفة الجمركية المدفوعة على جميع البضائع المستوردة) 2.5 بالمئة، وهذا أعلى قليلا من مستوياته في التاريخ الحديث لكنه لا يزال منخفضا جدا قياسا إلى سنوات أبعد.
وفي مطلع القرن التاسع عشر، عندما كانت الجمارك هي المصدر الرئيسي للدخل الفيدرالي، كان على الأمريكيين دفع معدلات فلكية على معظم البضائع المستوردة، وكانت الرسوم “الفعلية” تتجاوز في معظم الأحيان 40 بالمئة وبعض الأوقات 50 بالمئة، وفقا للوكالة.