سجلت أسعار النحاس مستوى قياسياً غير مسبوق بتجاوزها عتبة 12 ألف دولار للطن في بورصة لندن للمعادن، مدفوعة بمزيج من الانقطاعات الحادة في الإنتاج والاضطرابات التجارية العالمية الناتجة عن برنامج التعريفات الجمركية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب. و ارتفعت الأسعار بنسبة 2% لتصل إلى 12,159 دولاراً للطن، لتواصل موجة صعود رفعت قيمة المعدن بأكثر من الثلث خلال العام الجاري.

أرجع محللون هذا الارتفاع القياسي إلى تسابق المصنعين العالميين لتأمين إمداداتهم تحسباً لقيود تجارية أمريكية، مما أدى إلى منافسة شرسة على الشحنات المتاحة رغم تراجع الاستهلاك في الصين. ويُعد النحاس “عصب الحياة” للتحول الرقمي والأخضر؛ إذ يدخل في صناعة السيارات الكهربائية، وتطوير شبكات الكهرباء، ومشاريع الطاقة المتجددة. كما برز قطاع الذكاء الاصطناعي كلاعب جديد وضخم في السوق، حيث تتزايد التوقعات بارتفاع استهلاك المعدن لتلبية احتياجات الطاقة الهائلة لمراكز البيانات.

وتأتي هذه الطفرة في الطلب بالتزامن مع سلسلة من الانتكاسات في كبرى المناجم العالمية؛ من الحوادث الزلزالية في مجمع “كاموا-كاكولا” بالكونغو الديمقراطية، إلى الانفجارات الصخرية في تشيلي، والانهيارات الطينية في إندونيسيا، مما أدى لتقليص معروض المعدن في الأسواق العالمية.

حذر محللو “مورجان ستانلي” من أن سوق النحاس العالمي يواجه أسوأ حالة عجز منذ أكثر من عقدين، حيث يتوقع البنك أن يتجاوز الطلب العرض بنحو 600 ألف طن العام المقبل. و أكدت تقارير مصرفية أخرى، منها “دويتشه بنك”، أن إنتاج كبرى شركات التعدين العالمية سينخفض بنسبة 3% هذا العام، مع احتمال استمرار هذا الانخفاض خلال عام 2026.

ويزيد هذا النقص الهيكلي في المعروض، والناجم عن قدم المناجم واضطرابات العمل، من زخم الارتفاع السعري ويجعل المعدن الأحمر الخيار المفضل للمستثمرين الباحثين عن التحوط ضد التضخم وتقلبات العملات. وفي ظل هذا المشهد المعقد، وضعت بنوك عالمية مثل “سيتي جروب” سيناريوهات متفائلة تشير إلى إمكانية وصول الأسعار إلى 15 ألف دولار للطن، مدعومة بضعف الدولار المتوقع وخفض أسعار الفائدة الأمريكية.

ورغم أن “جولدمان ساكس” حذر من أن الارتفاع الحالي قد يكون مدفوعاً بتوقعات المستثمرين المستقبلية أكثر من ظروف العرض والطلب الحالية، فإنه رفع توقعاته للسعر، مؤكداً أن النحاس يظل المعدن الأكثر جاذبية في قطاع المعادن الصناعية. كما شهدت المعادن الأخرى مثل النيكل ارتفاعات حادة، خاصة بعد مقترحات إندونيسيا بخفض الإنتاج في عام 2026، مما يعكس حالة من التوتر العام في أسواق الموارد الأولية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version