أكدت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية تزايد القلق والتوتر بين المستثمرين في الولايات المتحدة بعد ظهور أرقام التوظيف لشهر مارس الماضي، وذلك لما تحمله هذه الأرقام من دلالات من أن تخفيض الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي في الولايات المتحدة) لأسعار الفائدة قد لا تكون وشيكة، مشيرة أن هذه المخاوف مدفوعة أكثر بإمكانية إبقاء البنك المركزي على سياسة الانتظار والترقب، أكثر من كونها مخاوف بشأن زيادة التضخم.
وسجلت الوظائف في الولايات المتحدة نموا بوتيرة سريعة خلال مارس الماضي، ولكن تم احتواء نمو الأجور، مما يؤكد الاعتقاد السائد بين الاقتصاديين بأن الولايات المتحدة يمكنها الاستمرار في توسيع نطاق التوظيف دون زيادة التضخم، وفقا لتقرير الصحيفة ذاتها.
وذكرت وزارة العمل الأمريكية مؤخرا، أن أصحاب العمل أضافوا 303 آلاف وظيفة في مارس الماضي، وهو ما يزيد بكثير عن توقعات الاقتصاديين البالغة 200 ألف، كما أن معدل البطالة انخفض إلى 3.8 بالمئة مقابل 3.9 بالمئة في فبراير، وذلك تماشيا مع التوقعات.
وفي السياق ذاته ارتفعت مؤشرات الأسهم الأمريكية بعد أسبوع باهت، مع اختيار المستثمرين التركيز على قوة الاقتصاد بدلا مما قد يعنيه تقرير وزارة العمل بالنسبة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي.
وأشارت الصحيفة إلى أنه وفي معظم العام 2022، رأى مسؤولون رفيعون في البنك المركزي الأمريكي أن النشاط الاقتصادي القوي والتوظيف العالي يعززان عمل الرياح المعاكسة أمام خفض وتيرة التضخم.
وأضافت الصحيفة أنهم كانوا قلقين من أن أسواق العمل الضيقة (عدد الوظائف أكثر من المتقدمين إليها) ستضغط على الأجور، حيث سيقدم أصحاب الأعمال أجورا عالية لاجتذاب العمال، مما يؤدي لرفع تكلفة الإنتاج، وبالتالي منع التضخم من الهبوط إلى مستهدفات الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة في فترة زمنية معقولة.
بيد أن الصحيفة أشارت إلى أن جيروم باول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، ذكر مؤخرا أنه لم يعد يعتبر التوظيف القوي أمرا يدعو للخوف، لافتا إلى أن القوى العاملة كانت تنمو بشكل مطرد، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الانتعاش القوي في الهجرة، ونتيجة لذلك، فإن التوظيف النشط لا يثير مخاوف باول من أن الاقتصاد معرض لخطر النمو الكبير وارتفاع الأسعار.
وأشارت الصحيفة إلى أنه وبدلا من التركيز على التوظيف، اقترح باول ومسؤولون آخرون في بنك الاحتياطي الفيدرالي أن بيانات التضخم في الأشهر المقبلة ستكون أكثر أهمية في تحديد ما إذا كان البنك المركزي يستطيع خفض أسعار الفائدة في يونيو المقبل، مؤكدة أنه ستتم مراقبة مؤشر أسعار المستهلك لشهر مارس الماضي، والذي من المقرر أن تصدره وزارة العمل الأسبوع المقبل، لجهة أن التضخم كان أقوى من المتوقع في بيانات شهري يناير وفبراير.
وذكر باول، في تصريحات سابقه له، أن النشاط الاقتصادي الأقوى من المتوقع هذا العام لم يغير توقعات الاحتياطي الفيدرالي بأنه سيكون هناك تخفيض في أسعار الفائدة هذا العام، موضحا أنه من السابق لأوانه القول ما إذا كانت القراءات الأخيرة تمثل أكثر من مجرد ارتفاع، إلا أنه عاد وقال إنه لا يتوقع أنه سيكون من المناسب خفض سعر الفائدة حتى يكون لديهم ثقة أكبر في أن التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو 2 بالمئة، قبل الانتقال إلى خفض تكاليف الاقتراض من أعلى مستوياتها الحالية منذ 23 عاما والتي تتراوح بين 5.25 و5.5 في المئة.
ونقلت وول ستريت جورنال الأمريكية عن باول تصريحات أكد فيها أن أرقام التضخم الأخيرة – رغم أنها أعلى من المتوقع – لم “تغير بشكل جوهري” الصورة العامة، مكررا توقعاته بأنه سيكون من المناسب على الأرجح البدء في خفض أسعار الفائدة “في وقت ما هذا العام”.
كما نقلت الصحيفة عن مايكل فيرولي، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في بنك “جيه بي مورجان تشيس”، أنه يتوقع أن يؤجل الاحتياطي الفيدرالي توقيت خفضه الأول إلى يوليو بدلا من يونيو نظرا لعدم وجود تصدعات أو آثار ملموسة لرفع أسعار الفائدة حتى الآن على اقتصاد الولايات المتحدة.
كما ذكرت الصحيفة أن عددا من مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي قالوا إنه ليست هناك حاجة للنظر في خفض أسعار الفائدة بشكل استباقي، حيث قال لوري لوجان رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، في تصريحات له، إنه بالنظر إلى “المخاطر الكبيرة” المتمثلة في أن معدل التضخم يقترب من 3 بالمئة، بصورة تبتعد عن هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة، فمن السابق لأوانه التفكير في خفض أسعار الفائدة.
وأشارت الصحيفة إلى أن خبراء اقتصاديين يتفقون مع مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي في مسألة أن الهجرة للولايات المتحدة وما توفره من زيادة العرض للأيدي العاملة، يجنب البلاد سوق العمل الضيق وما يتبعه من زيادة في معدلات التضخم. وعليه فإن أعداد الوظائف يمكنها أن تزيد بسرعة دون مخاوف.
وذهبت الصحيفة إلى أنه ومع ذلك، فإن العرض وحده لا يكفي لتحقيق مكاسب في الوظائف، دون أن يكون هناك طلب في المقابل.
ولفتت الصحيفة إلى أنه لا يزال نشاط تسريح العمال منخفضا، وعدد الوظائف الشاغرة مرتفعا، حيث أفادت وزارة العمل في وقت سابق من هذا الأسبوع بأن هناك 8.8 مليون وظيفة شاغرة حتى نهاية فبراير.