خلافا لتوقعات الاقتصاديين بأن يتباطأ التضخم السنوي في الولايات المتحدة إلى 3.6 بالمئة لشهر سبتمبر الماضي، استقر مؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة على أساس سنوي، في حين تباطأ معدل التضخم الأساسي (الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة). وترى صحيفة ” وول ستريت جورنال” الأمريكية أن هذه الأرقام لن تسمح لبنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) بإعلان الانتصار على معركته ضد التضخم، مشيرة إلى أن التقدم الأخير الذي تم إحرازه لخفض التضخم قد توقف في شهر سبتمبر الماضي ما يعني أن الطريق نحو القضاء على ضغوط الأسعار بشكل كامل لا يزال وعرا.
وكانت وزارة العمل الأمريكية قد اعلنت أمس الخميس، أن مؤشر أسعار المستهلك ارتفع بنسبة 3.7 بالمئة مقارنة بالعام السابق، وهو نفس المستوى الذي كان عليه في أغسطس الماضي، ولكنه أقل بكثير من 9.1 بالمئة المسجلة في يونيو 2022.وارتفعت الأسعار الأساسية بنسبة 4.1 بالمئة عن العام السابق، بانخفاض من 4.3 بالمئة في أغسطس الماضي بينما ارتفعت على أساس شهري، بنسبة 0.3 بالمئة في سبتمبر للتقرير الثاني على التوالي بعد مكاسب أقل في يونيو ويوليو .
وفي ظل هذه الأرقام، اعتبرت الصحيفة الأمريكية أنها تحمل في طياتها نبأ سارا وآخر غير ذلك، مشيرة إلى أن النبأ السار يكمن في أن مكاسب الأسعار فد تباطأت بشكل ملحوظ عن أعلى مستوياتها خلال 40 عاما التي سجلتها العام الماضي، وخاصة عند النظر إلى مقياس التضخم الأساسي الذي يستثني أسعار المواد الغذائية والطاقة المتقلبة، لكن الخبر السيئ هو أنه بعد التباطؤ الحاد في التضخم الأساسي في وقت سابق من هذا الصيف، ارتفعت تلك الأسعار بمعدل أسرع قليلا في الشهر الماضي.
وأشارت الصحيفة إلى أن أحدث بيانات التضخم تسلط الضوء على أنه بدون مزيد من التباطؤ في الاقتصاد، قد يستقر التضخم عند حوالي 3 بالمئة، وهو أقل بكثير من المعدلات المثيرة للقلق، والتي أدت إلى سلسلة من الزيادات السريعة في أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي في الولايات المتحدة) في العام الماضي، ولكن لا يزال أعلى من معدل التضخم البالغ 2 بالمئة الذي حدده بنك الاحتياطي الفيدرالي كهدف للوصول إليه.
وسيقرر مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي ما إذا كان سيتم رفع سعر الفائدة مرة أخرى أو إبقاؤها على ما هي عليه في اجتماعهم المقبل في 31 أكتوبر الجاري والأول من نوفمبر المقبل.
ويبلغ سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية عند 5.25-5.5 في المئة بعد واحدة من أقوى الجهود التي بذلها البنك المركزي لرفع أسعار الفائدة التي أدت إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض وذلك من أجل تقليل الطلب على النقود أو ما يسمى بسياسة التشديد النقدي.
وأظهر محضر اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي يومي 19 و20 سبتمبر الماضي شعورا متزايدا بعدم اليقين بشأن مسار الاقتصاد الأميركي، حيث تشكل البيانات المتقلبة وتشديد الأسواق المالية مخاطر على النمو.
ويشير المحضر إلى أن جميع المشاركين اتفقوا على أن السياسة النقدية يجب أن تظل مقيدة لبعض الوقت حتى تصبح لجنة (تحديد معدلات الفائدة التابعة للاحتياطي الفيدرالي) واثقة من أن التضخم يتحرك نحو الانخفاض بشكل مستدام نحو هدفه البالغ 2 بالمئة.
وكان الفيدرالي الأميركي في اجتماعه الأخير، في سبتمبر الماضي، قد قرر إبقاء معدلات الفائدة دون تغيير، بعد أن تم رفعها 11 مرة منذ مارس 2022، لتصل إلى نطاق مستهدف يتراوح بين 5.25 بالمئة و5.5 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ 22 عاما.
ورأت الصحيفة أنه من غير المرجح أن يشير مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي إلى خطط لإيقاف زيادات أسعار الفائدة مؤقتا إلى أجل غير مسمى أو استبعاد رفع أسعار الفائدة في ديسمبر المقبل.
وأشارت الصحيفة إلى تشديد جيروم باول رئيس الاحتياطي الفيدرالي بعد قرار سبتمبر الماضي بالإبقاء على أسعار الفائدة ثابتة على أن المسؤولين سيبنون سياستهم النقدية اعتمادا على بيانات جديدة، مضيفة أنه وعلى الرغم من أن بنك الاحتياطي الفيدرالي يستخدم مقياسا منفصلا للتضخم، فإن تقرير مؤشر أسعار المستهلكين يحظى بمتابعة واسعة النطاق لأنه يتم إصداره أولا.
وأكدت الصحيفة أن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي سيتلقون بيانات إضافية حول أجور العمال، إلى جانب مقياس التضخم المفضل لديهم من وزارة التجارة، قبل اجتماعهم القادم.
ونقلت الصحيفة عن لارا رامي، كبير الاقتصاديين في شركة ” أف اس انفيستمنت” قوله إنه يمكن لبنك الاحتياطي الفيدرالي بالتأكيد أن يدعي حدوث تقدم في التضخم، لكنهم بالتأكيد لا يستطيعون ادعاء النصر.
وذكرت الصحيفة أن العديد من الأميركيين لا يشعرون بالارتياح من تباطؤ التضخم، لأن الارتفاع في أسعار كل شيء من السيارات إلى وجبات المطاعم إلى الإسكان منذ عام 2021 كان كبيرا بشكل غير طبيعي.
وحول العمل والعمال وارتباطهما بالتضخم، أفادت الصحيفة بأن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يريدون أن يروا استمرارا في التباطؤ في الأسعار الأساسية، وخاصة في الخدمات، التي تميل إلى أن تكون أكثر ارتباطا بتكاليف العمالة من أسعار السلع.
وأشارت الصحيفة إلى أن ارتفاع أسعار الخدمات ذات العمالة الكبيرة في الشهر الماضي قد أدت إلى إثارة المخاوف من أن سوق العمل النشط سوف يؤدي إلى ابقاء معدلات التضخم مرتفعة.
وذكرت الصحيفة أنه ومع انخفاض معدلات البطالة إلى أقل من 4 بالمئة وعدم ارتفاع معدلات تسريح العمال بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى المكاسب الكبيرة الأخيرة في الأجور في العقود النقابية، يمكن أن تدفع أجور العمال إلى الارتفاع في جميع أنحاء الاقتصاد.
ونقلت الصحيفة عن كارل تانينباوم، كبير الاقتصاديين في شركة ” نورثرن ترست” أن ذلك قد يؤدي إلى استمرار الضغط على أسعار الخدمات الأساسية، التي تعد واحدة من آخر الأشياء التي لا تزال لا تتصرف بالشكل الذي نرغب فيه.
وأوضحت الصحيفة أن رفع أسعر الفائدة من قبل البنك المركزي الأمريكي يهدف لترويض التضخم عن طريق ابطاء الاقتصاد، مشيرة أن الهدف من هذه العملية هو رفع عائدات السندات طويلة الأجل، مما يرفع تكاليف الاقتراض للمنازل والسيارات وغيرها من المشتريات باهظة الثمن.
واختتمت الصحيفة بتصريح لكريستوفر والر عضو الاحتياطي الفيدرالي، الذي أدلى به الأربعاء الماضي، حيث قال :إن الأسواق المالية في مرحلة تشدد أي ( تقييد مالي)، مضيفا أن ذلك يأتي متوافقا لما يرمي إليه الاحتياطي الفيدرالي من تشديد السياسة النقدية لكبح التضخم ، لكنه أكد أن أي تغيير سيكون بناء على آخر البيانات الاقتصادية المسجلة.