تعمل مصر على تعظيم العائد الاقتصادي لجميع مواردها الاقتصادية في السنوات الأخيرة، وذلك من خلال ضخ استثمارات كبيرة في قطاعات مختلفة تفتح الباب لجذب موارد وخاصة الدولارية، وعلى رأس هذه القطاعات قطاع تجارة الترانزيت (قطاع تجارة البضائع العابرة) التي تُعد أحد موارد العملة الصعبة المهمة. و وفقا لدراسة بعنوان “تجارة الترانزيت في مصر ودور المناطق اللوجستية في تعزيزها”، صادرة عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء،فأن مصر تمتلك جميع الركائز التي تمكنها من أن تكون مركزًا تجاريًّا عالميًّا وخاصة تجارة “الترانزيت”، حيث تنعم الموانئ المصرية بإمكانية التحول إلى موانئ مركزية عالمية تعمل على تشجيع التطوير في التجارة، وتجارة الترانزيت والخدمات اللوجستية والقطاعات المختلفة، ولتعزيز ذلك يمكن تطوير المناطق اللوجستية، حيث تسهم هذه المناطق في تعزيز تجارة “الترانزيت” في مصر،
وتهدف الدراسة إلى استخلاص مقترح خارطة طريق لتطوير المناطق اللوجستية وتعزيز دورها لزيادة حصة مصر من تجارة “الترانزيت”، واستعرضت خلال أقسامها المختلفة عدداً من المحاور ومنها “تطوير المناطق اللوجستية في مصر وأثرها على تجارة الترانزيت”. وأوضح مركز المعلومات، من خلال الدراسة، مفهوم تجارة “الترانزيت”، مشيراً إلى أنها عملية نقل البضائع من ميناء إلى آخر عبر أراضي الدولة دون تفريغها وتعتبر من القضايا الاقتصادية المهمة لاقتصاد الدول، حيث تُعَد من أهم أدوات دعم الاقتصاد وذلك من خلال توليد الإيرادات، ممثلة في الرسوم والضرائب من شحنات الترانزيت المارة، التي تُسهم في زيادة إيرادات الدولة. الجدير بالذكر أن تجارة “الترانزيت” تُسمى تجارة الخدمات المصدرة، والتي تدر مئات الملايين من الدولارات في شرايين الاقتصاد دون ضخ أي استثمارات كبيرة.
وأشار إلى أن تطوير قطاع النقل سواء كان ذلك في مجال الشحن البحري أو الشحن الجوي أو حتى قطاع السكك الحديدية، وخلق فرص عمل، حيث يُفتح باب العديد من فرص العمل في مجالات النقل والخدمات المرتبطة بها، مثل الشحن، والتخليص الجمركي، والتأمين وغيرها، فضلا عن تعزيز التجارة الدولية من خلال عبور البضائع بسلاسة؛ مما يُعزز التجارة الدولية ويُسهم في تطوير الاقتصاد. كما استعرضت الدراسة تجارب لبعض الدول التي نجحت في تطوير قطاع تجارة “الترانزيت”، ومنها “سنغافورة” والتي تعد من أكثر الدول نجاحًا في ذلك بفضل موقعها الاستراتيجي، وتحتل المرتبة الأولى عالميًّا في مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي (2023)، كما يعد ميناء “روتردام” في هولندا واحدًا من أكبر الموانئ في العالم ومركزًا رئيسًا لتجارة “الترانزيت”، حيث تحتل هولندا المرتبة الثالثة عالميًّا في مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي (2023)، وتمكنت كوريا الجنوبية من تحقيق تقدم كبير في قطاع “الترانزيت” عبر تطوير ميناء بوسان وميناء إنشيون، وعلى الجانب العربي تُعَد “دبي وأبو ظبي في الإمارات العربية المتحدة” مركزين مهمين لتجارة الترانزيت في الشرق الأوسط، وتحتل الإمارات المرتبة السابعة عالميًّا والأولى عربيًّا في مؤشر الأداء اللوجستي الصادر عن البنك الدولي.
وتناولت الدراسة الوضع الحالي لجهود تطوير الموانئ المصرية لخدمة تجارة “الترانزيت”، حيث أشادت التقارير الدولية بما تتخذه مصر من جهود لإدخال عملة أجنبية من تجارة الترانزيت، ومن المستهدف الوصول إلى 40 مليون حاوية بحلول عام 2030 يتزامن ذلك مع مجهودات الدولة في جذب المستثمرين في مشروعات الموانئ.
ووفقًا للتقرير الصادر عن قطاع النقل البحري عام 2022.. بلغ إجمالي عدد السفن المترددة نحو 12740 سفينة بزيادة 10% عن عام 2021، وبلغ إجمالي تداول الحاويات في عام 2022 نحو 7.6 مليون حاوية بزيادة 6% عن عام 2021، كما بلغ إجمالي تداول البضائع في 2022 نحو 176 مليون طن بزيادة 8% عن 2021.
كما شهد قطاع النقل واللوجستيات في مصر تطورًا كبيرًا وفقًا لشهادة الهيئات الدولية، حيث تقدمت مصر في مؤشر أداء الخدمات اللوجستية 2023 (LPI) نحو 10 مراكز، فحققت المرتبة الـ 57 على مستوى العالم من إجمالي 139 دولة، والمرتبة السابعة عربيًّا بقيمة 3.1 نقطة، مقابل المركز 67 على مستوى العالم من إجمالي 160 دولة بقيمة 2.82 نقطة في عام 2018، وذلك وفقًا للبنك الدولي 2023.
وفي مؤشر التواصلية للشحن البحري الذي يعتمد على أساس عدد رحلات السفن، والطاقة الاستيعابية للحاويات، وخدمات الشحن، والسفن العملاقة المترددة على المواني، والترابط مع دول العالم من خلال خط ملاحي (منتظم/ مباشر)، اعتُبِرَت مصر من الدول الرائدة في التواصلية في قارة إفريقيا وأحرزت تقدمًا ملموسًا، حيث بلغ المؤشر 68.47 نقطة في الربع الرابع لعام 2022، مقارنة بـ 66.67 نقطة بالربع الرابع لعام 2021، وذلك لتفوق الموانئ المصرية المحورية في تجارة إعادة الشحن واستقبال سفن الحاويات العملاقة وتقديم خدمات متميزة لها.
كما أعلنت الهيئة العامة لميناء الإسكندرية 2023 نجاحها في تحقيق أعلى معدل تداول لحاويات الترانزيت في تاريخها، إذ أكدت المؤشرات الإحصائية عن النصف الأول من عام 2023 تحقيق ميناءي الإسكندرية والدخيلة ارتفاعًا كبيرًا خلال الفترة من 1 يناير إلى 30 يونيو 2023 بواقع 96% بالمقارنة مع الفترة المثيلة من عام 2022، وحسب تقرير صادر عن الميناء فإن هذه الزيادات جاءت في إطار اتخاذ العديد من الإجراءات مؤخرًا لتشجيع تجارة “الترانزيت”، حيث تم التنسيق مع مصلحة الجمارك المصرية لاتخاذ إجراءات فعلية لتسهيل تجارة “الترانزيت”.
كما تناولت الدراسة جهود تطوير المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، حيث شهدت المنطقة إنجازات عديدة وتنمية حقيقية بالمناطق الصناعية والموانئ البحرية التابعة، وهو ما انعكس على مؤشرات أداء موانئ المنطقة الاقتصادية، فوفقًا للتقرير الصادر عن قطاع النقل البحري عام 2022، بلغ إجمالي عدد السفن المترددة بموانئ المنطقة الاقتصادية عام 2022 نحو 3647 سفينة، بزيادة 10% عن عام 2021، وبلغ إجمالي تداول الحاويات عام 2022 نحو 5.1 مليون حاوية بزيادة 6% عن عام 2021، كما بلغ إجمالي تداول البضائع عام 2022 نحو 70 مليون طن، بزيادة 8% عن عام 2021، ومما لا شك فيه أن هذا التطور بمؤشرات أداء موانئ المنطقة الاقتصادية سيزيد من جاذبية مصر كوجهة للنقل وتجارة “الترانزيت”.
وفي خلال عام 2022 كان ملف مشروعات الوقود الأخضر أحد الملفات المهمة للمنطقة الاقتصادية، حيث تم توقيع 23 مذكرة تفاهم لإنتاج الوقود الأخضر، منها 9 مذكرات تم تحويلها إلى اتفاقيات إطارية خلال انعقاد “كوب 27” مع مختلف الشركات الدولية والعالمية، كما تم افتتاح أول مصنع لإنتاج الهيدروجين الأخضر بالمنطقة الاقتصادية خلال قمة المناخ في نوفمبر 2022، تمهيدًا لأن تصبح المنطقة أحد أهم مراكز الطاقة الخضراء إقليميًّا ودوليًّا.
هذا بالإضافة إلى وجود أول مركز لوجستي للبضائع بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، صديق للبيئة يعمل بالطاقة الشمسية كأول مركز أخضر بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس؛ بهدف ترشيد استهلاك الوقود، كما نجحت مصر تقديم خدمة تموين السفن بالوقود لأول مرة في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خلال شهر يونيو 2023، حيث تم تنفيذ أول عملية تموين سفن بميناء السخنة بالمنطقة الجنوبية التابعة للمنطقة الاقتصادية.
وعلى نطاق المشروعات والتعاقدات.. أبرمت المنطقة الاقتصادية لقناة السويس خلال العام المالي 2022 العديد من التعاقدات والمشروعات في المناطق الصناعية، فعلى سبيل المثال، تم التعاقد على 6 مشروعات استثمارية لأرصفة بإجمالي أطوال 4455 مترًا، وإجمالي مساحات تداول 2.85 مليون متر مربع.
وتطرقت الدراسة إلى دعائم تحويل مصر إلى مركز دولي لتجارة “الترانزيت”، حيث تنعم مصر بالكثير من الدعائم التي تؤهلها إلى أن تصبح مركزًا دوليًّا لتجارة الترانزيت، حيث الموقع الاستراتيجي بقلب العالم، والذي يجعل من مصر أحد أهم ممرات التجارة العالمية بين الشرق والغرب، وأن مصر تمتلك 55 ميناءً بحريًّا في عام 2022 (18 ميناء تجاري، و37 ميناء تخصصي).
وفقًا للبيانات الصادرة عن قطاع النقل البحري 2022، بالإضافة إلى تمتع مصر بإمكانية وصول تفضيلية إلى أوروبا والدول العربية وإفريقيا جنوب الصحراء من خلال اتفاقية الشراكة بين مصر والاتحاد الأوروبي ومنطقة التجارة الحرة العربية الكبرى (GAFTA) والسوق المشتركة لشرق وجنوب إفريقيا (الكوميسا)، ومؤخرًا منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية (ACFTA)، هذا بالإضافة إلى الخطط الحالية لتطوير الموانئ البحرية لتضاهي الموانئ العالمية ولتعظيم قدرتها التنافسية، كما تتميز مصر أيضًا بأنها هي المحور في شرق البحر المتوسط للنفط والغاز؛ نتيجة وجود خط أنابيب نفط سوميد، فضلاً عن إمكانات تسييل الغاز الطبيعي المسال في دمياط، ووجود ميناء الحمراء الذي يُعَد أحد أهم الموانئ البترولية المصرية بمنطقة العلمين على ساحل البحر المتوسط.
وعلى المستوى الإقليمي تمتلك مصر جميع الركائز التي تمكنها من أن تكون مركزًا دوليًّا لتجارة “الترانزيت” خاصة مع وجود شبكة الطرق التي تربطها بالدول المجاورة، فقد تم الانتهاء من الطرق السريعة عبر إفريقيا في مصر، حيث تم الانتهاء من ممر (القاهرة – داكار) في مصر، وكذلك تم الانتهاء من (القاهرة – جابورون) في مصر أيضًا، بالإضافة إلى ذلك، تم تطوير عدد من الممرات في مصر؛ لتسهيل ارتباطها بالسودان.
وعن تطوير المناطق اللوجستية في مصر وآثرها على تجارة “الترانزيت”، أكدت الدراسة أن صناعة اللوجستيات تعد أحد أهم عناصر التطور في مجال النقل والتجارة، والتي يمكن من خلالها تحقيق نقل آمن وسليم للبضائع في أقصر وقت ممكن وبأقل تكلفة، مع الاستفادة من مرور البضائع من خلال خلق صناعات ذات قيمة مضافة بإنشاء مناطق لوجستية تساعد في تحسين جودة الخدمات المقدمة للعملاء وتقليل التكاليف وزيادة الإيرادات، كما أنها تسهل عملية التخزين والتجميع والتغليف والتعبئة والشحن وتُحسِّن تدفق البضائع والمواد والمعلومات من منطقة الإنتاج إلى منطقة الاستهلاك، مما يترتب على ذلك إنشاء بعض الصناعات الخفيفة التي تقوم على الموارد الطبيعية الموجودة بالقرب من هذه المناطق.
كما أشارت الدراسة إلى المزايا التنافسية لمصر كبلد يحتضن مناطق لوجستية حديثة وتتمثل في موقعها الجغرافي المتميز وامتلاكها شبكة موانئ بحرية وجوية تربطها بمختلف دول العالم، فضلا عن توافر العمالة المؤهلة والمدربة في مجالات اللوجستيات والإدارة والتسويق والمحاسبة، بالإضافة إلى تشجيع التعليم والبحث العلمي في هذا المجال، ووجود رؤية استراتيجية لتحويل مصر إلى مركز لوجستي عالمي.
بجانب الطلب المرتفع من قبل إفريقيا على صناعة السفن المصرية ذات التكنولوجيا المتوسطة، لأن صيانتها سهلة مقارنة بصناعة السفن بدول أوروبا التي تعتمد على التكنولوجيا الفائقة، وبالتالي فإن صيانتها تحتاج إلى متخصص مما يزيد من التكلفة.
وذكرت الدراسة أهم المتطلبات اللازمة لتطوير المناطق اللوجستية في مصر والتي جاء من أبرزها، استمرار تأهيل الكوادر البشرية على أحدث النظم العالمية في إدارة وتشغيل السفن وإدارة الأعمال الملاحية واللوجستية، ودمج التقنيات والابتكارات الجديدة لاحتضان بيئة الأعمال سريعة التغير، وتوفير البنية الأساسية المطلوبة من خلال تحديث وإتاحة أسطول النقل ووجود نظام تداول إلكتروني ورفع كفاءة الأسواق القائمة وإنشاء أسواق بأماكن العجز وتوفير معدات المناطق اللوجستية وتجهيز طرق وشبكات النقل ووضع منظومة من المحفزات وخطة للاحتواء المالي والتحول للاقتصاد الرقمي علاوة على تدريب ورفع كفاءة الأطراف المتعاملين في المنظومة وإطلاق حملة الترويج للمشروعات، وتوفير إجراءات وأنظمة جذب الاستثمار، ومشاركة القطاع الخاص في إنشاء وتطوير المناطق اللوجستية، ومساندة الدولة المصرية للترسانات البحرية التابعة للقطاع الخاص.
وخلصت الدراسة إلى مجموعة من المقترحات بشأن تقدم مصر في المؤشرات الدولية المتعلقة بالأداء اللوجيستي وانعكاساته على تحسين تجارة الترانزيت في مصر والتي جاء من أهمها: تحسين البنية التحتية اللوجستية، وما يتطلبه ذلك في المرحلة القادمة من توسع في مشاركة القطاع الخاص بإمكاناته الاستثمارية وخبراته الإدارية في إنشاء وإدارة المرافق والمنافذ الحديثة وتحديث الموانئ والمطارات والطرق والسكك الحديدية، بجانب تحسين الخدمات اللوجستية عن طريق توفير المزيد من المرافق والخدمات التي تساعد على تسريع الإجراءات اللوجستية بالموانئ مثل: الخدمات المصرفية والتأمينية والجمركية، والتخزين، والتوزيع، وتطوير الكفاءات اللوجستية والقدرات البشرية في مجال “الترانزيت”، فضلا عن تشجيع الاستثمار في مجال “الترانزيت” من خلال توفير المزيد من الحوافز الضريبية والتسهيلات الإدارية للشركات التي تعمل في هذا المجال، وتسهيل إجراءات التراخيص والتصاريح اللازمة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي في مجال “الترانزيت” من خلال تفعيل التعاون مع الدول والمنظمات الدولية في ضوء الشراكات الحالية والتوسع في شراكات واتفاقيات مستقبلية تخدم المجال، مع تبادل الخبرات والمعلومات والتكنولوجيا في هذا المجال.