حين نشتري الفاكهة المستوردة من المراكز التجارية الكبرى ونجد عليها ملصقاً صغيراً يدل على اسم الشركة المستوردة والمصدرة، فإننا لا نعطي الأمر أهمية كبيرة. فالملصق الصغير على الموزة أو التفاحة أو المانجو ، وغيرها من الفواكه التي تطوف أسواق العالم، هو بالنسبة لنا علامة على الجودة وعلى أحقية الثمن الذي ندفعه.
![](https://businessnewseg.com/wp-content/uploads/2023/01/الفاكهة-المستوردة-1024x683.jpg)
، ولكن خلق هذا الملصق حروباً ونزاعات بين شركات الفواكه العالمية التي تؤسس كارتلات متنافسة بطريقة تفوق تنافس كارتلات المواد الغذائية الأخرى. فكارتلات الفواكه يبدأ عملها من البساتين والحقول الشاسعة في دول بعينها، وتمر عبر العلاقات بحكومات الدول أو بالاتحاد الأوروبي أو بالقانون الأميركي، ومن ثم في علاقاتها بالأسواق، وقد تتضخم هذه المنافسة إلى علاقات شبه “مافياوية”
وتحديداً في الحلقة الأولى من الإنتاج، أي بين المزارعين المحليين في الدول المنتجة، حيث تدير المافيات المسلحة عمليات الإنتاج وكمياته والمكان، حيث سيتم تصديره والشركة التي ستقوم بذلك. الأمر أكثر من معروف ومشهود في المكسيك، وتحديداً في زراعة الأفوكادو التي لم تعد مجرد فاكهة، بل أضحت عنصراً أساسياً يدخل في الصناعات الغذائية الضخمة التي تمتلك شركاتها وكارتلاتها الخاصة أيضاً والمتشابكة أو المتحدة مع شركات تصدير الفاكهة.
![](https://businessnewseg.com/wp-content/uploads/2022/12/الدولار-يتراجع.jpeg)
المحاكم الدولية
ففي أميركا اللاتينية والمكسيك تحديداً، يتدخل رئيس الدولة والساسة في فض الخلافات بين شركات التصدير والتوزيع. وقد تكون هذه الشركات ذات نفوذ كبير يؤثر في الرئيس والسياسيين كلهم، مما يؤدي إلى فوضى عارمة في الأسواق، وينتج منها نزاعات، بعضها صامت، وبعضها ينتقل إلى المحاكم الدولية، وبعضها يتم حله بالقوة، كما في أفريقيا وفي آسيا الاستوائية، حيث زراعة الأناناس وشجر زيت النخيل، والتي تنتشر في مساحات حلت محل الغابات الاستوائية، وقد تبلغ أحياناً مساحات دول بعينها، ويمكن رؤيتها من مسافات بعيدة من الفضاء عبر “جوجل إرث”.
وتحت بعنوان “الأفوكادو والليمون والخوخ: عنف العصابات يقتل محاصيل الفاكهة في المكسيك”، كتب هنري شولينر تحقيقه حول ترك مزارعي الدراق حقولهم بسبب العنف الذي تمارسه المافيا عليهم، مما أدى إلى تلقي صناعة الغذاء القائم على هذه الفاكهة ضربة كبيرة أدت إلى خسارته نحو 45 مليون دولار، بحسب ما ذكرت صحيفة El Sol de Zacatecas.
وتوقف المزارعون المكسيكيون عن رعاية ما يقدر بنحو ثلاثة ملايين شجرة في ولاية زاكاتيكاس المركزية، وهي واحدة من أكبر المناطق المنتجة للخوخ وأنواع من الدراق والمشمش في المكسيك، حيث يتم حصاد ما يصل إلى 8000 طن سنوياً. وترك 2000 شخص من 17 بلدة زراعة أراضيهم وهجروها إلى العاصمة، حيث قاموا بتظاهرات واعتصامات تطالب بحمايتهم من قوة المافيات المسلحة. وصرح حينها ممثل زاكاتيكاس في الكونغرس أن عدد المجتمعات الزراعية التي فرغت من المزارعين أكثر مما تم الإبلاغ عنه، “الآن، نحن نتحدث عن 30 مجتمعاً نازحاً وما يليه من توقف كل الإنتاج والأعمال التي كانوا يقومون بها”. وقد تركوا خلفهم ما يقارب الـ10 آلاف رأس من الماشية.
![](https://businessnewseg.com/wp-content/uploads/2023/01/الفاكهة-المستوردة-3-1024x574.jpg)
الذهب الأخضر
عرض موقع InSight Crime في تقاريره، أن “المنطقة المكسيكية أصبحت مرتعاً لإنتاج المخدرات الاصطناعية، وهي تقع على طول طرق تهريب المخدرات إلى الولايات المتحدة. وتجري معركة للسيطرة على زاكاتيكاس بين اثنين من أقوى الكارتلات المكسيكية، وهما Sinaloa Cartel وJalisco Cartel New Generation .
ولطالما كانت تجارة الأفوكادو التي يطلق عليها اسم “الذهب الأخضر” أو “ماس الفاكهة” بسبب ربحيتها، هدفاً للابتزاز من قبل الجماعات الإجرامية. وتتقاضى الكارتلات مدفوعات حماية شهرية من المزارعين. وقد أدى العنف الذي يستهدف مفتشي السلامة الأميركيين إلى قيام الحكومة الأميركية بتعليق واردات الأفوكادو موقتاً في وقت سابق من هذا العام.
وكان مزارعو الدراق أيضاً في مرمى نيران عنف الكارتل، وتركت المزارع من دون حصاد في ميتشواكان عام 2021. وقال المزارعون إن الجماعات الإجرامية تملي عليهم الأسعار لفرض رسوم أعلى، فارتفعت أسعار الفاكهة في العالم بشكل كبير على رأسها أسعار الخوخ والتفاح والبابايا والأفوكادو والموز وقصب السكر وغيرها بنسبة تتراوح بين 10 و45 في المئة أخيراً. ويواجه المزارعون صعوبات في استئناف العمل، بعد أن نهبت جماعات إجرامية منازلهم وسرقت جراراتهم بعد إعلانهم الإضراب. فالمزارعون الـ30 ألفاً الذين يعيشون في زاكاتيكاس، غادروها تاركين مدن أشباح من منازل وحقول مهجورة.
![](https://businessnewseg.com/wp-content/uploads/2023/01/الفاكهة-المستوردة-4-1024x573.jpg)
الاستغلال والاحتكار
“الغارديان” نشرت قبل ثلاث سنوات تحقيقاً لأدريان ماتي جاء فيه أن حجم صادرات الأفوكادو يبلغ 2.3 مليار دولار سنوياً للمكسيك، ولكن يصدف أن مناطق زراعة الأفوكادو البعيدة من المركز هي معقل لعصابات المخدرات في البلاد. من المعروف أن العصابات تفرض على المزارعين ضريبة قدرها 60 دولاراً لكل فدان على مزارعهم، ورسماً عن كل علبة فاكهة ينتجونها، بل ويستولون على أراضيهم بشكل دوري. وعرض التحقيق قرار عديد من أصحاب المطاعم والطهاة، بما في ذلك الشيف الإيرلندي جي بي مكماهون، الحائز نجمة ميشلان، بإسقاط الأفوكادو المكسيكي من قوائمهم، بعد أن شبه مكماهون الأفوكادو بـ”ماس الفاكهة”، وهو يقصد الاستغلال والاحتكار الكبيرين، هذا مع العلم أن المكسيك ومنذ عام 2018، كان هناك نحو 39763 هكتاراً من المساحة المتاحة في المكسيك للزراعة العضوية للفواكه والخضراوات، والتي تمثل نحو ثلاثة في المئة من إجمالي الأراضي الزراعية المتاحة لزراعة الفواكه والخضراوات.