تشير كل التوقعات إلى أن لجنة السياسة النقدية في البنك المركزي بالمملكة المتحدة سترفع سعر الفائدة خلال اجتماع سبتمبر المقبل، خاصة بعد ارتفاع متوسط الأجور في بريطانيا خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في 30 يونيو الماضي بنسبة 7.8%، وهناك عوامل أخرى مثيرة للجدل، منها الأرقام الحديثة التي أظهرت ارتفاعا في أرباح الشركات رغم الظروف السائدة، مما جعل بعض المتخصصين يشيرون إلى التربح والاستغلال من قبل هذه الشركات كأحد أسباب ارتفاع التضخم في المملكة المتحدة.
وذكرت صحيفة ” الجارديان” البريطانية، في تقرير لها، أن أرباح الشركات البريطانية ارتفعت، وذلك فقًا لأحدث الأرقام الرسمية، مما جعلها تحيط نفسها بسياج ضد ضغوطات التكاليف، مشيرة إلى أن ذلك أجج الجدل والحديث بأن الاستغلال والتربح لعبا دورا كبيرا في موضوع التضخم في المملكة المتحدة. واستشهدت الصحيفة بتصريحات للرئيس الأمريكي جو بايدن، مؤخرا، قال فيها إنه يكسب الحرب ضد التضخم في الولايات المتحدة فقط لأن أرباح الشركات كانت تتراجع.. مشيرة إلى أنه في ظل هذ التصريحات خرج مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، أمس الخميس بأرقام تظهر أن أرباح الأعمال التجارية في المملكة المتحدة زادت في الربع الأول من عام 2023.
وأضافت الصحيفة أن العائد الصافي لشركات التصنيع في المملكة المتحدة زاد إلى 8.8 % في الربع الأول من العام الجاري، مقارنة بـ 8.4 % في الربع الرابع من عام 2022. كما زاد صافي عائدات شركات الخدمات، التي تمثل حوالي ثلاثة أرباع النشاط الاقتصادي في البلاد، إلى 16.1%، بزيادة قدرها 0.4 نقطة مئوية عن الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2022. وأوضحت الغارديان أن معدل العائد هو مقياس للربحية يوضح الهامش بين أرباح التشغيل وتكلفة الأصول المستخدمة لتوليد تلك الأرباح.. مشيرة إلى أن النقابات في المملكة المتحدة وجهت الاتهام إلى الشركات برفع الأسعار بصورة أعلى بكثير من التكلفة، وهو ما يسمى “تضخم الجشع”.
وأشارت إليه بأنه موضوع ساخن لأن بنك إنجلترا يقول باستمرار إن الصعود والهبوط الصغير الذي سجله مكتب الإحصاء الوطني في حساباته لربحية الشركات لا يقدم دليلا يذكر على التربح والاستغلال. وحث مكتب الإحصاء الوطني العمال مرارا على تقييد مطالب الأجور، مقللا من الحاجة إلى مطالبة الشركات بكبح ارتفاع الأسعار، غير أن الصحيفة أشارت إلى أن هناك من يقدم حججا مناهضة لما ذهب إليه مكتب الإحصاء ويشمل ذلك عددا متزايدا من الأكاديميين وجهات تتبع لمؤسسات فكرية ونقابية.
ونقلت الجارديان عن بول نوفاك الأمين العام لمؤتمر نقابات العمال في المملكة المتحدة، القول إنه صدم من أرقام مكتب الإحصاء الوطني، التي وصفها بأنها تظهر أن “ثقافة الاستحقاق ما زالت حية ” بين الشركات الكبيرة التي قال إنها مسؤولة في الغالب عن ارتفاع الأسعار. كما نقلت الصحيفة عن شارون غراهام، أحد النقابيين البارزين في بريطانيا لجهوده في تعزيز البحث في أرباح الشركات، القول “إن الشركات تستغل الأزمة”.
وقال فيليب كينج، المستشار الحكومي السابق ومفوض الشركات الصغيرة حتى عام 2021، إن العديد من الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم ستتساءل عن سبب هذا الضجيج، مضيفا أنه من الواضح من الأرقام أن “الشركات تحافظ على أرباحها على الرغم من الظروف التجارية الصعبة التي واجهتها”، إلا أن الشركات الكبيرة هي الملامة، حيث إنها “عادة ما تتمتع بقدر أكبر من المرونة عندما يتعلق الأمر بزيادة الأسعار وخفض التكاليف”.
ونقلت الصحيفة عن تقرير لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الشهر الماضي القول إن متوسط هوامش الربح في المملكة المتحدة زاد بمقدار الربع تقريبًا بين نهاية عام 2019 وأوائل عام 2023. وقال ستيفانو سكاربيتا، مدير المنظمة إنه “من غير المعتاد إلى حد ما أنه في فترة تباطؤ في النشاط الاقتصادي نرى ارتفاعا في الأرباح “. كما قال جورج ديب، الخبير الاقتصادي في معهد أبحاث السياسة العامة بلندن، إن بنك إنجلترا “كان مخطئا بشكل واضح” عندما اعتبر أن هوامش الربح الثابتة ليست قضية.
وذكرت “الجارديان” أن صافي معدل العائد لجميع الشركات غير المالية، وهو مقياس يستثني البنوك وشركات التأمين ولكنه يشمل شركات النفط والغاز في بحر الشمال، ارتفع من 9.8% في الربع الأخير من عام 2022 إلى 9.9% في الربع الأول من هذا العام، وهو ما يُظهر أن الهوامش ظلت ثابتة خلال أحد أسوأ فصول الشتاء من حيث ارتفاع تكاليف المعيشة والتخفيضات في الدخل المتاح لعدة. واختتمت “الجارديان” تقريرها بالقول إن من المتوقع حدوث ارتفاع آخر في أسعار الفائدة الشهر المقبل والسبب الرئيسي الذي قدمه البنك هو أن الأجور ترتفع بسرعة كبيرة، وليس أن الأرباح ترتفع بسرعة كبيرة، مشيرة إلى أنه موقف سيصبح مثيرا للجدل بصورة متزايدة.