الاقتصاد الأوروبي بدأ يتأثر بما يحدث في منطقة الشرق الأوسط، وما يسببه الألم الاقتصادي الناجم عن اضطرابات سلسلة التوريد، بسبب الهجمات التي شنها الحوثيون على سفن الشحن في البحر الأحمر مما أدى إلى تعطيل طرق الشحن من آسيا، كما أنه يهدد بحدوث نكسة في جهود القارة الأوروبية في حربها ضد التضخم.
واستندت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، لما توصلت إليه إلى نتائج مسوحات قامت بتجميعها شركة “إس أند بي جلوبال” للبيانات، حيث أظهرت البيانات الصادرة أن الشركات اضطرت إلى الانتظار لفترة أطول حتى تصل مكونات تحتاجها في يناير، بعدما حملت الهجمات على السفن العديد من الجهات المعنية بالشحن للقيام برحلة أكثر أمانا، ولكنها أطول وأكثر تكلفة، حول إفريقيا عبر رأس الرجاء الصالح.
وأشارت الصحيفة، في تقرير لها، إلى أن مديري المشتريات في شركات تصنيع وشركات خدمية أوروبية، أبلغوا لأول مرة عن زيادة في أوقات التسليم منذ أكثر من عام، وذلك أثناء مشاركتهم في مسوحات مؤشر مديري المشتريات. وأضافت الصحيفة أنه في الوقت نفسه أعلنت شركات مثل “تيسلا” و”فولفو” عن تأخيرات في الإنتاج بسبب الاضطراب.
وشددت وول ستريت جورنال على أن نتائج المسوحات هذه تعتبر أول دليل على تأثير أوسع نطاقا على الشركات الأوروبية، محذرة من أن استمرار وتراكم التكاليف الإضافية يمكن أن يؤدي إلى ضغوط تضخمية في القارة العجوز، وهو ما يعني صعوبة أي تخفيض متوقع في أسعار الفائدة يمكن أن يحدث في الوقت القريب.
وأردفت الصحيفة الأمريكية أن إطالة أوقات التوريد والتي بدأت في عام 2020 ساهمت في الارتفاع الحاد في معدلات التضخم العالمية التي بدأت في منتصف عام 2021، مضيفة أن الخبراء الاقتصاديين ومحافظي البنوك المركزية يشعرون بالقلق من أن الاضطرابات الأخيرة قد يكون لها تأثير مماثل على الأسعار، وإن كان أقل بكثير.
إلا أن الصحيفة استبعدت تأثر الولايات المتحدة بنفس المقدار، معللة ذلك بأن الولايات المتحدة لا تعتمد على قناة السويس كاعتماد أوروبا عليها، وإن لديها مسارات بديلة أكثر للبضائع القادمة من آسيا.
ووفقا لشركة “إس أند بي جلوبال” فقد انخفض مقياس أوقات التوريد الذي أبلغت عنه شركات منطقة اليورو إلى 48.6 نقطة في يناير الحالي، هبوطا من 53.2 نقطة في ديسمبر الماضي. وتشير القراءة إلى أقل من 50.0 نقطة إلا أن أوقات الانتظار أصبحت أطول. وكانت المملكة المتحدة أكثر تأثرا، حيث انخفض مؤشر “ستاندرد آند بورز جلوبال” إلى 43.1 نقطة، هبوطا من 51.3 نقطة، وذلك وفقا لما أوردته الصحيفة.
ونسبت الصحيفة لكريس ويليامسون، الخبير الاقتصادي في شركة “ستاندرد آند بورز ماركت ماركت إنتليجنس”، أن التأخير الذي طرأ على التوريد زاد بصورة أكبر مع إعادة توجيه الشحن حول رأس الرجاء الصالح، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المصنع في وقت لا تزال فيه ضغوط الأسعار مرتفعة.
وذكرت الصحيفة أن الاضطرابات الحالية في سلاسل التوريد تعد متواضعة مقارنة بالعوائق العالمية التي شهدناها في عامي 2020 و2021، ومن المرجح أن يكون تأثيرها الاقتصادي أصغر نسبيا. بيد أن الصحيفة شددت أن ذلك جاء في وقت مهم في تقويم الشحن العالمي، عندما تندفع المصانع الصينية عادة لشحن البضائع إلى العملاء في الخارج قبل إغلاقها للعام الجديد.
ونقلت الصحيفة عن ريان بيترسن، الرئيس التنفيذي لشركة “فليكسبورت”، الشركة المعنية بإدارة سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية أن هذين الأسبوعين أو الثلاثة أسابيع، يمثلان دائما موسم شحن كبير، وأن المصانع في الصين تغلق أبوابها لمدة تتراوح بين أسبوع وأربعة أسابيع، والمشترون يريدون إخراج كل شيء قبل ذلك مباشرة.
وأشارت الصحيفة إلى أن تكاليف الشحن ارتفعت منذ اشتداد هجمات الحوثيين مع اقتراب نهاية عام 2023. ونقلت الصحيفة الأمريكية عن “مؤشر البلطيق فريتوس” الذي يعد المعيار اليومي الرئيسي لأسعار شحن الحاويات، ارتفاع متوسط تكلفة نقل البضائع في حاوية عبر العالم بأكثر من الضعف بين 22 ديسمبر و19 يناير، مضيفة أنه وفي بعض المسارات التي تربط الصين بأوروبا، ارتفعت التكلفة بشكل أكثر حدة.
وذكرت الصحيفة أنه إذا ظلت تكاليف الشحن مرتفعة، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى رفع أسعار العديد من السلع الاستهلاكية، حيث يقدر الاقتصاديون في بنك “جيه بي مورجان” أن أسعار السلع العالمية يمكن أن ترتفع بنسبة 0.7 بالمئة، مما يضيف ثلث نقطة مئوية إلى معدل التضخم العالمي الذي يستثني الطاقة والغذاء.
وأردفت الصحيفة أن هذا المعدل الأساسي هو المقياس الذي ستراقبه البنوك المركزية قبل أن تستنتج أنه من الآمن البدء في خفض أسعار الفائدة الرئيسية بعد عامين من الزيادات الكبيرة، مضيفة أنه في حين أن بعض الزيادات في الأسعار أمر محتمل للغاية، فإن قليلين يتوقعون تكرار الارتفاع الناجم عن انسداد سلسلة التوريد الذي تراكم خلال عام 2020 والعام التالي.
وأشار التقرير إلى أن الشركات الأوروبية معرضة بشكل مباشر أكثر لاضطرابات الشحن في البحر الأحمر، لأن نحو 40 بالمئة من التجارة مع آسيا عادة ما تتخذ هذا الطريق، مضيفة أن الوقت الأطول الذي يستغرقه الالتفاف حول رأس الرجاء الصالح يقلل من قدرة الشحن العالمية، وسيكون له بعض التأثير على الشركات الأمريكية، موضحة أن أحد العوامل المعقدة هو أن حركة المرور عبر قناة بنما، وهي نقطة اختناق كبيرة أخرى في التجارة العالمية، قد انخفضت بسبب الجفاف الشديد في أمريكا الوسطى.
وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة عن الرئيس التنفيذي لشركة “فليكسبورت، أن هذا يعني أن حصة متزايدة من حركة الشحن بين الهند والساحل الشرقي للولايات المتحدة يجب أن تدور أيضا حول رأس الرجاء الصالح، مع تقييد الوصول إلى كلتا القناتين، أي قناة السويس وقناة بنما.