في الوقت الذي تشير فيه البيانات الاقتصادية إلى مرونة الاقتصاد الأمريكي بشكل أكبر من المتوقع، وفي ظل تعزيز صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع توقعاته لنمو هذا الاقتصاد العام الحالي والعام المقبل، ترى صحيفة وول ستريت جورنال أن قوة الاقتصاد في الولايات المتحدة تؤثر سلبا على نمو البلدان الأخرى. وقالت الصحيفة الأمريكية في تقرير لها، إن القوة المفاجئة التي يتمتع بها الاقتصاد الأمريكي تشكل تهديدا لبقية العالم، وتنذر بارتفاع أسعار الفائدة لفترة أطول وصعود قيمة الدولار، وهو ما من شأنه أن يؤثر على نمو البلدان الأخرى.
وعزز صندوق النقد الدولي هذا الأسبوع توقعاته لنمو الاقتصاد الأمريكي، متوقعا نموا بنسبة 2.1 بالمئة هذا العام و1.5 بالمئة العام المقبل، وهي علامة على هبوط ناعم (أي خفض التضخم دون حدوث ركود) ، بصورة أكبر مما كان متوقعا في السابق، بحسب الصحيفة. وأشارت الصحيفة إلى أن توقعات صندوق النقد الدولي بالنسبة لقسم كبير من بقية العالم باهتة، حيث يعاني الاقتصاد الصيني من تراجع سوق العقارات وضعف الصادرات وانخفاض الطلب الاستهلاكي، وهو الشيء الذي أثر على ألمانيا.
وترى وول ستريت جورنال أنه ربما يكون الاقتصاد الأمريكي متجها نحو هبوط ناعم، لكن بقية العالم قد يتعرض لصدمة.وأوضحت أن الاقتصادات في الخارج تواجه مخاطر تضخم إضافية نتيجة لصعود الدولار وارتفاع أسعار النفط، مشيرة إلى أنه عندما يرتفع الدولار، يصبح شراء السلع والتي يتم تسعير معظمها بالدولار، أكثر تكلفة بالنسبة للدول الأخرى. وذكرت أن المسؤولين العالميين يخشون أن يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة وقوة الدولار أيضا إلى موجة جديدة من ضائقة الديون في جميع أنحاء العالم النامي، مضيفة أن قوة الدولار تزيد بالفعل من تكلفة سداد ديونها المقومة بالدولار على بلدان الأسواق الناشئة.
ويحذر مسؤولو التنمية من أن ارتفاع تكاليف الديون يهدد قدرة البلدان الضعيفة على الإنفاق على مشاريع تغير المناخ. ووفقا لصندوق النقد الدولي، فإن ما يقرب من 60 بالمئة من البلدان منخفضة الدخل تعاني من ضائقة الديون أو معرضة لخطرها، وهو تصنيف يشير إلى أن الدولة غير قادرة على الوفاء بالتزامات ديونها. وتابعت أن استمرار التضخم لا يزال يفاجئ البنوك المركزية العالمية والمستثمرين، مشيرة إلى أن صندوق النقد الدولي رفع توقعاته للتضخم للعام المقبل إلى 5.8 بالمئة، مقارنة بتوقعاته السابقة البالغة 5.2 بالمئة.
ونقلت وول ستريت جورنال عن ليسيتيا كجانياجو، محافظ البنك المركزي في جنوب أفريقيا، في مؤتمر صحفي قوله إن البنوك المركزية لا يسعدها مجرد الإبقاء على أسعار الفائدة أعلى، ولكن التضخم كان أكثر ثباتا مما كانوا يعتقدون، مضيفا أنه يتعين عليهم إبقاء أسعار الفائدة أعلى. وانخفض الراند الجنوب أفريقي بنسبة 6 بالمئة مقابل الدولار خلال الأشهر القليلة الماضية.
ونوهت بأن بعض محافظي البنوك المركزية يريدون ترويض التضخم الأمريكي. ونقلت عن عبد اللطيف الجواهري، محافظ البنك المركزي المغربي، قوله إن انخفاض التضخم في الولايات المتحدة سيساعد المغرب على السيطرة على الأسعار.وساعدت البيانات الاقتصادية الأمريكية القوية، بما في ذلك تقرير التوظيف لشهر سبتمبر الماضي، في رفع عوائد سندات الخزانة إلى أعلى مستوياتها في 16 عاما، حيث يراهن المستثمرون على أن البنك المركزي الأمريكي سيبقي أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول.
ونسبت الصحيفة إلى جانيت يلين وزيرة الخزانة الأمريكية، قولها في وقت سابق، إنه لعبء على البلدان منخفضة الدخل للغاية التي لديها الكثير من الديون دون مساحة مالية كبيرة، مضيفة أن هذه البلدان تتضرر بالفعل من ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وصعود أسعار الطاقة، وآثار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
كما تطرقت وول ستريت جورنال إلى ارتفاع أسعار النفط، وذكرت أن ارتفاع هذه الأسعار منذ الصيف يهدد كذلك بإعادة إشعال التضخم، في الوقت الذي اعتقدت فيه العديد من البنوك المركزية العالمية أنها وصلت إلى نهاية دورات تشديد السياسات النقدية. وذكرت أن أحداث الشرق الأوسط الراهنة تهدد بإعادة التقلبات إلى أسواق الطاقة، وهو ما يعيدنا إلى حالة الفوضى التي شهدتها أسعار السلع الأساسية في العام الماضي بعد بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
كما نقلت الصحيفة تصريحات لبرونو لو مير وزير المالية الفرنسي، في وقت سابق، أكد فيها أن التوترات الجيوسياسية تمثل المخاطر الاقتصادية الحقيقية، وهم جميعا يدركون ذلك، مضيفا أن أي تصعيد في المنطقة سيكون له بالطبع تأثير كبير على النمو العالمي. وأشارت الى أن صندوق النقد الدولي يشعر بالقلق من أن تباطؤ التجارة العالمية يمكن أن يمثل حقبة جديدة من تراجع العولمة، حيث توجه الدول السياسة الاقتصادية نحو الأمن القومي بدلا من النمو، مضيفة أن الصراعات الجيوسياسية مثل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، والاحتكاك بين الولايات المتحدة والصين، أدت إلى قلب سلاسل التوريد رأسا على عقب بالفعل.
ونوهت الصحيفة أن اضطرابات التوريد لا تؤدي إلى إبطاء النمو فحسب، بل تدفع المستثمرين أيضا إلى الأخذ في الاعتبار المزيد من المخاطر المستقبلية الناجمة عن الصدمات الجيوسياسية المحتملة، مما ساعد على رفع أسعار الفائدة. وحذرت كريستالينا جورجييفا المديرة التنفيذية لصندوق النقد الدولي من التباين العميق في الثروات الاقتصادية خلال أسبوع من اجتماعات المسؤولين الماليين في مراكش بالمغرب، والتي عقدت بعد شهر واحد فقط من الدمار الذي تعرضت له البلاد بسبب الزلازل.
ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ينمو إجمالي التجارة العالمية بنسبة 0.9 بالمئة فقط العام الحالي، وهو انخفاض حاد عن النمو البالغ 5.1 بالمئة العام الماضي.