عانى الاقتصاد الألمانى المصنف رابع أكبر اقتصاد في العالم من الركود في الأشهر الثلاثة الماضية بعد الانكماش في الربعين الماضيين، مما يشير إلى مستوى أداء أسوأ من كل أنداده الكبار في العالم ولكن وعلى الرغم من حالة التشاؤم التي بدت تسيطر على آراء بعض المراقبين والمختصين بشأن الوضع الاقتصادي في أكبر اقتصاد في القارة الأوروبية وهو الاقتصاد الألماني، إلا أن اقتصاديين آخرين رأوا أن الإفراط في التشاؤم هو شيء مبالغ فيه، وأنه قد يكون هناك ضوء في نهاية النفق. وأطلقت صحيفة ” بيلد” الألمانية، الصحيفة الأكثر مبيعا في ألمانيا، مناشدة للمستشار الألماني أولاف شولتس لاتخاذ إجراء، وعلقت “ساعدونا، اقتصادنا ينهار”، وتأتي هذه المناشدات في ظل توقعات صندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن تكون ألمانيا أسوأ اقتصاد رائد أداء في العالم هذا العام.
من جانبها، ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن ارتفاع معدل الفائدة الذي تنتهجه البنوك العالمية بما فيها البنك المركزي الأوروبي لمكافحة التضخم، والاقتصاد العالمي المتعثر، علاوة على الحرب الروسية في أوكرانيا، أدوا إلى تفاقم مشاكل طويلة الأمد كان الاقتصاد الألماني يعاني منها، مثل: انخفاض نسبة الشباب هناك، والبنية التحتية المتداعية. وأشارت فايننشال تايمز إلى التراجع العالمي في التصنيع، وذكرت أن ذلك أثر في ألمانيا بقوة، حيث يشكل هذا القطاع خمس إنتاجها الإجمالي، وهو مستوى مشابه لليابان، ولكنه ضعف نظيره في الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة. ونقلت الصحيفة عن أوليفر هولتيمولر، رئيس قسم الاقتصاد الكلي في معهد هالي للأبحاث الاقتصادية بألمانيا، أن ارتفاع أسعار الطاقة والتوترات التجارية الناجمة عن الحرب الروسية في أوكرانيا كان لهما تأثير حاد على قطاع التصنيع، مضيفا أن ارتفاع التكاليف ونقص العمالة الماهرة جعلها “تحت ضغط شديد”.
وتراجعت أسعار الغاز والكهرباء في ألمانيا منذ العام الماضي، لكنها تظل أعلى مما هي عليه في العديد من البلدان غير الأوروبية، كما انخفض الإنتاج في القطاعات الصناعية كثيفة الاستخدام للطاقة في ألمانيا، مثل المواد الكيميائية والزجاج والورق، بنسبة 17% منذ بداية العام الماضي، مما يشير إلى خسائر دائمة. ونقلت الصحيفة البريطانية عن فرانزيسكا بالماس، كبيرة الاقتصاديين في شركة الأبحاث الاقتصادية البريطانية “كابيتال إكونوميكس”، “أن التوقعات بالنسبة للصناعة الألمانية قاتمة”. وأردفت الصحيفة إن ما يزيد الطين بلة، تعرض قوتها التقليدية في صناعة السيارات للتهديد، حيث تفقد علاماتها التجارية الكبرى حصتها في السوق لمنافسين صينيين أرخص في قطاع السيارات الكهربائية سريعة النمو.
وانتعشت ألمانيا بشكل أسرع من الأزمة المالية لعام 2008 مقارنة ببقية منطقة اليورو، بيد أن يورج كرامر، كبير الاقتصاديين في بنك كوميرزبانك الألماني قال “إذا استبعدنا أزمة كورونا، فقد بدأ الأداء الضعيف في عام 2017، لذلك ظلت المشكلات الهيكلية قائمة منذ فترة”، بحسب الصحيفة. ونقلت الصحيفة عن خبراء قولهم، إن القدرة التنافسية للبلاد تقوضت بشكل مطرد بسبب ارتفاع تكاليف العمالة والضرائب المرتفعة والبيروقراطية الخانقة والافتقار إلى الرقمنة في الخدمات العامة، مضيفة أن ذلك يتضح من خلال تراجع ألمانيا في تصنيفات التنافسية العالمية إلى المرتبة 22 من بين 64 دولة رئيسية، بعد أن كانت في المراكز العشرة الأولى قبل عقد من الزمن.
كما صنف معهد زد إي دبليو الألماني على أنها “دولة ذات ضرائب عالية بالنسبة للاستثمار”، مشيرا إلى أن معدل الضريبة الفعلي على أرباح الشركة البالغ 28.8 % كان أعلى بكثير من المتوسط في الاتحاد الأوروبي البالغ 18.8% العام الماضي. وعندما سئل المستشار الألماني عن التحرك الذي تقوم به حكومته حيال ذلك في مقابلة تلفزيونية في وقت سابق من هذا الشهر، قال إن الحكومة تتحرك بوتيرة عالية، مع وجود مشاريع ملموسة لتسريع التحول إلى الطاقة المتجددة وزيادة المعروض من العمالة. كما أشاد بالطريقة التي يخطط بها صانعو الرقائق في شركة “انتل” التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، وشركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات لبناء مصانع ضخمة في ألمانيا، وذلك وفقا للصحيفة.
ويعتقد معظم الاقتصاديين أن برلين تسير في الاتجاه الصحيح من خلال محاولة معالجة القضايا الهيكلية بدلا من توفير حوافز مالية قصيرة الأجل. ونقلت الصحيفة عن هولجر شميدنج، كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرغ الألماني “إن الحكومة تعالج بالفعل بعض القضايا الرئيسية”، مستشهدا بالقوانين المخطط لها لتبسيط الموافقة على الاستثمارات وجذب المزيد من العمال المهرة من الخارج.
وذكرت الصحيفة أنه على الرغم من كل التشاؤم، يعتقد بعض الاقتصاديين أن ألمانيا لن تستمر في الأداء الضعيف لفترة طويلة، ويراهنون على أن الصعوبات التي تواجهها سوف تتراجع مع اعتدال أسعار الطاقة وتعافي الصادرات إلى الصين. وقال فلوريان هينس، الخبير الاقتصادي الألماني “أود أن أقول إن التشاؤم مبالغ فيه”، وتوقع أن يعود النمو في البلاد إلى متوسط منطقة اليورو البالغ 1.5% بحلول عام 2025.
وأشارت الصحيفة إلى أنه قد ينتعش الإنفاق الاستهلاكي مع ارتفاع الأجور الألمانية بأكثر من 5% فيما من المتوقع أن ينخفض التضخم إلى النصف إلى 3 في المائة العام المقبل. ونقلت عن كرامير المسؤول في بنك كوميرزبانك الألماني أن “ارتفاع الأجور الحقيقية هو أحد الأسباب الرئيسية التي تجعلنا نعتقد أنه لن يكون هناك سوى ركود ضحل”.