أعاد الذهب تأكيد مكانته باعتباره الخيار الأمثل للاستثمارات البديلة، لا سيما وأن سجله الحافل كأداة للتحوط من التضخم، إلى جانب الرياح المواتية الناتجة عن التيسير النقدي والمرونة التقليدية المرتبطة بالاضطرابات الجيوسياسية، تجعله بديلا جذابا للمستثمرين الباحثين عن الاستقرار وتخفيف المخاطر.
وقال بنك قطر الوطني QNB في تقريره الأسبوعي إن دور الذهب ظل في المشهد الاقتصادي والاستثماري محل جدل كبير منذ أمد بعيد، فتاريخيا، كان يعتبر مستودعا للقيمة وملاذا آمنا، فضلا عن كونه من الأصول القابلة للتحويل دوليا منذ آلاف السنين، وشكل أساس المنظومة النقدية العالمية خلال حقبة معيار الذهب (1871 – 1914)، ونظام بريتون وودز (1945 – 1971)، عندما كان يتعين ربط العملات الرئيسية بالمعدن الأصفر، حتى تعتبر قابلة للتحويل، أو عملة احتياطية حقيقية.
وأضاف التقرير: رغم طبيعته غير المدرة للدخل والنفقات المترتبة على استخراجه، لا يزال الذهب يحظى بتقدير كبير من المستثمرين، بما في ذلك الأسر والدول ذات السيادة والشركات، وتكمن جاذبيته الدائمة في قدرته المثبتة على العمل كمستودع موثوق للثروة لحماية الأصول خلال فترات الضوائق الاقتصادية الكبيرة والتحديات النظامية على مستوى الاقتصاد الكلي، كالأزمة المالية العالمية في الفترة 2008 – 2009، أو جائحة كوفيد-19 في الفترة 2020 – 2022.
وذكر أنه بعد الانخفاض الكبير من أعلى المستويات المسجلة أثناء الجائحة، استفاد الذهب مؤخرا من تعافي الطلب، ونتيجة لذلك، وصلت قيمة هذه السلعة الثمينة إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق عند 2,135 دولار للأونصة في ديسمبر 2023، وظلت قريبة من هذه المستويات منذ ذلك الحين، ويعتبر هذا الأداء القوي لسعر الذهب مثيرا للدهشة في السياق الحالي، الذي توفر فيه الأموال أو الأوراق المالية الحكومية قصيرة الأجل عوائد اسمية عالية، مما يزيد من تكاليف الفرص الاستثمارية البديلة لحيازة الذهب وأرجع البنك توقعه إلى 3 عوامل رئيسة تبرر تزايد جاذبية الذهب في المحافظ الاستثمارية العالمية مؤخرا، أولها أن الذهب أثبت في الآونة الأخيرة قيمته الدائمة كأداة للتحوط ضد التضخم، ففي أعقاب جائحة /كوفيد-19/، واجهت السلطات النقدية في الاقتصادات المتقدمة تحديات كبيرة بسبب ارتفاع التضخم، وأدى ذلك إلى مخاوف بشأن وتيرة التراجع السريع في القيمة الحقيقية للنقود، حيث ستكون هناك حاجة إلى وحدات إضافية من العملة لشراء نفس فئات السلع والخدمات، وليس مستغربا خلال هذه الفترة من ارتفاع التضخم، أن تصل أسعار الذهب لأعلى مستوياتها على الإطلاق، وكان هذا بمثابة تأكيد مقنع للاع قاد السائد بأن الذهب أداة تحوط فعالة ضد الضغوط التضخمية.
أما العامل الثاني، فإنه من المرتقب أن تصبح دورة السياسة النقدية في الولايات المتحدة وأوروبا بمثابة رياح داعمة لأسعار الذهب قريبا، رغم أن العائدات الاسمية أصبحت الآن أعلى كثيرا مما كانت عليه في الماضي القريب في أغلب الاقتصادات المتقدمة، فمن المتوقع أن تتغير هذه الديناميكية بشكل كبير في وقت قصير، وأن يخفض بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي أسعار الفائدة بمقدار 150 و100 نقطة أساس هذا العام على التوالي، وهذا يعني أن النقد والأوراق المالية الحكومية قصيرة الأجل ستكون أقل جاذبية كخيارات استثمارية، ما سيكون مؤاتيا للاستثمارات البديلة كالذهب.
وفي العامل الثالث، قال البنك إن المناخ الاقتصادي العالمي الحالي يعتبر محفوفا بحالات عدم اليقين الجيوسياسي، مثل الحرب الروسية الأوكرانية، والصراعات المستمرة في الشرق الأوسط، وتزايد التوترات بين الولايات المتحدة والصين في مضيق تايوان، ومن الممكن أن تساهم هذه العوامل في زيادة علاوة المخاطر على الأصول التقليدية، مما يدفع المستثمرين إلى التحوط باستخدام ملاذات آمنة بديلة.
وخلص التقرير إلى أن جاذبية الذهب تعززت بشكل أكبر بفعل الاتجاهات طويلة الأمد، بما في ذلك تزايد حدة التنافس الاقتصادي بين الغرب والشرق، وتراجع التعاون الدولي، وتصاعد النزاعات التجارية، وزيادة الاستقطاب السياسي، واستخدام العلاقات الاقتصادية كسلاح عن طريق العقوبات، وفي عصر يتسم بمزيد من عدم الاستقرار الجيوسياسي، تزداد أهمية ومكانة الذهب كأصل ملموس ومحايد من ناحية الولاية القضائية، والذي يمكن أن يكون بمثابة ضمان في الأسواق المختلفة.
وفي انعكاس لهذا التوجه، ظلت البنوك المركزية على مستوى العالم تعمل على تجميع الذهب بمعدل لم يسبق له مثيل منذ ستينيات القرن العشرين، عندما كان نظام بريتون وودز لا يزال ساريا في ظل ربط الدولار بالذهب.