هناك 3 عوامل رئيسية وراء استمرار ركود القطاع الصناعي العالمي ، تتثمل في اختلالات الطلب الناجمة عن الأنماط غير المعتادة في السلوك الاستهلاكي، والصدمة السلبية لسلاسل الإمداد الناجمة عن الحرب الروسية- الأوكرانية، علاوة على تباطؤ نمو الاقتصاد الصيني. وأشار بنك QNB في تقريره الأسبوعي إلى أن جائحة فيروس كورونا وتدابير التحفيز غير المسبوقة، عززت نشاط التصنيع إلى أن تجاوز مستويات الاتجاه السائد، بينما أدت عمليات الإغلاق وإجراءات التباعد الاجتماعي، إلى تغير مؤقت في سلوك المستهلكين وأنماط الإنفاق غير المرتبطة بالخدمات إلى طلب عالمي استثنائي على السلع المادية.
وأضاف التقرير، أنه مع انتهاء الجائحة وعودة السياسات والأنشطة الاقتصادية إلى طبيعتها، بدأ نشاط التصنيع يضعف، والتوقعات المرتبطة به تتدهور تدريجيا مع تعافي الطلب على الخدمات، حيث انعكس ذلك بشكل واضح على أحجام التجارة العالمية، التي تتبع عن كثب تطورات نشاط التصنيع. ولفت إلى أن ضعف التصنيع كان واضحا في جميع الاقتصادات الكبرى منذ عدة أشهر، حيث تظهر البيانات الصادرة مؤخرا أن قطاعات التصنيع ظلت تنكمش في الولايات المتحدة والصين ومنطقة اليورو، مع وجود أوضاع سلبية للغاية في منطقة اليورو، حيث تشير مؤشرات النشاط إلى حدوث انكماش عميق، وقد بدأت هذه الأوضاع تنعكس على مؤشرات مديري مشتريات قطاع التصنيع أيضا.
وذكر التقرير أن اختلالات الطلب الناجمة عن الأنماط غير المعتادة في سلوك المستهلكين بعد صدمة الجائحة أدت إلى فترة من الضعف المتواصل في نشاط التصنيع، وتم تعجيل الطلب على السلع، كالإلكترونيات، والسيارات، والعقارات، ومعدات بناء المنازل، مع تزايد جدواها أثناء عمليات الإغلاق. وأشار البنك إلى أنه مع انتهاء الجائحة حرر الإنفاق المكبوت على الخدمات، وأدى إلى إعادة التوازن لاتجاهات الاستهلاك السابقة، زد على ذلك، وبالنظر إلى تعجيل الطلب على السلع خلال الجائحة، كانت هناك فترة طويلة من ضعف الطلب على هذه السلع.
واعتبر التقرير، أن صدمة الإمداد الناجمة عن الصراع الروسي الأوكراني كان لها تأثير سلبي على قطاع التصنيع الأوروبي في ظل عدم توافر الطاقة وارتفاع أسعارها، لا سيما في البلدان المعنية أكثر بهذه المخاطر، مثل ألمانيا، إذ تشير البيانات في منطقة اليورو إلى أن الإنتاج الصناعي أقل بنسبة 4 بالمئة من الذروة التي بلغها في ديسمبر 2021.
وفي ألمانيا، تفاقمت الرياح المعاكسة الهيكلية كارتفاع الضرائب، ونقص العمالة، ونقص الاستثمار في البنى التحتية في ظل تأثير أزمة الطاقة، مما تسبب في تراجع حاد في التصنيع، وفي الواقع، لم يتعاف الإنتاج الصناعي في ألمانيا قط إلى مستويات ما قبل الجائحة، فهو حاليا أقل بنسبة 7.4 بالمئة عن المستوى المسجل في فبراير 2020، ويحافظ على الاتجاه الهبوطي الذي بدأ في 2017.
من جهة أخرى، وبحسب التقرير، يؤدي التباطؤ الاقتصادي في الصين إلى إضعاف دورها كمحرك للنمو العالمي، ويرتبط هذا بشكل خاص بالتصنيع، خلال العقود الأربعة من 1980 إلى 2019، حيث بلغ متوسط النمو الاقتصادي في الصين 9.5 بالمئة سنويا، لكن الوتيرة على مدى العامين الماضيين كانت أضعف بكثير، حيث تقدر نسبة النمو المسجلة في العام الماضي بـ 3 بالمئة، ويتوقع أن تبلغ 5.5 بالمئة هذا العام.
وتشكل قوة الاقتصاد الصيني أهمية كبيرة بالنسبة للتصنيع العالمي، نظرا لتأثيره على روابط سلاسل الإمداد، والطلب على السلع المستوردة، والدور المتنامي في تدفقات الاستثمار عبر الأسواق الناشئة التي تتأثر بالصين، فالروابط التجارية مع الصين، تشكل أهمية بالغة بالنسبة للعديد من الأسواق الناشئة الأخرى، خاصة في جنوب شرق آسيا، كما أنها ذات أهمية كبيرة بالنسبة لبعض الاقتصادات المتقدمة في أوروبا، كألمانيا، وفرنسا، وهولندا، واعتبر التقرير أنه نظرا لأهمية الاقتصاد الصيني، فإن تباطؤه شكل ضمنيا رياحا معاكسة مهمة للتصنيع العالمي في الأشهر الأخيرة.