ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن أسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة أصابت قطاع السيارات بضرر، حيث انخفضت رغبة المستهلك الأمريكي في اقتناء سيارة جديدة، مما حدا بشركات تصنيع السيارات والتجار لخفض الأسعار وتقديم حوافز للتعامل مع الطلب المتدني عليها. ورفع بنك الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي في الولايات المتحدة) أسعار الفائدة بأسرع وتيرة منذ 40 عاما في عامي 2022 و2023، لمكافحة التضخم الذي ارتفع أيضا إلى أعلى مستوى له منذ أربعة عقود، كما أبقى المسؤولون سعر الفائدة القياسي في نطاق يتراوح بين 5.25 بالمئة و5.5 بالمئة، وهو أعلى مستوى له منذ أكثر من عقدين.
وأشارت الصحيفة إلى أن متوسط حزم الحوافز المقدمة لشراء السيارات الجديدة ارتفع بنسبة 53 في المائة على أساس سنوي في يونيو، حيث قدمت الشركات المصنعة مثل “هونداي” و”جنرال موتورز” و”فولكس فاجن” استردادا نقديا وأسعار فائدة منخفضة وتخفيضات في الأسعار، لتحفيز الطلب وتصفية المخزونات، التي شهدت ارتفاعا منذ تخفيف قيود العرض التي لازمت جائحة كورونا. ونقلت الصحيفة عن شركة “جي دي باور”، المعنية بتحليلات الاستهلاك، أنه تم بيع 16.9 بالمئة فقط من السيارات الجديدة بسعر أعلى من سعر التجزئة المقترح من قبل الشركات المصنعة، بانخفاض عن 34.9 في المائة في العام الماضي.
ونسبت الصحيفة لستيفن جونو، الاقتصادي في “بنك أوف أمريكا” أنه بسبب ارتفاع الإمدادات واعتدال الطلب فإنه يرى أن الشركات المصنعة تحاول إيجاد تصريف للسيارات، من خلال تقديم صفقات أكثر جاذبية. ولفتت الصحيفة إلى أن أحدث تقرير لمؤشر أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة، والذي صدر في وقت سابق من هذا الشهر، أشار إلى أن تكلفة السيارات الجديدة والمستعملة انخفضت بنسبة 0.4 في المائة و1.5 في المائة على التوالي في يونيو، في حين انخفضت مبيعات التجزئة بنسبة 2 في المائة عن الشهر السابق.
ووفقا لبنك جيه بي مورغان، فإنه على الرغم من أن بعض الانخفاض كان بسبب الهجوم السيبراني على شركة برمجيات السيارات (CDK)، فقد شكلت أسعار السيارات 79 في المائة من الانخفاض في أسعار السلع الأساسية خلال العام الماضي، وفقا للصحيفة.
وذهبت فايننشال تايمز إلى أن انخفاض الأسعار وارتفاع الحوافز يشير إلى أن الاقتصاد الأمريكي وطلب المستهلكين قد خضعوا أخيرا لضغوط رفع أسعار الفائدة، من قبل الاحتياطي الفيدرالي على مدى أكثر من عامين في معركته للسيطرة على التضخم.
وزادت أنه على الرغم من أن الإنفاق الاستهلاكي في الولايات المتحدة ظل مرتفعا بشكل عنيد، إلا أن البيانات الأخيرة أظهرت أن المستهلكين بدأوا في التراجع عن المشتريات، وبالأخص السلع المعمرة الأكبر حجما. وانخفض الإنفاق على السيارات وقطع الغيار بنسبة 20 في المائة منذ ذروة جائحة فيروس كورونا في أبريل 2021، في حين انخفض إجمالي مبيعات السيارات بنسبة 15 في المائة، وفقا للصحيفة.
كما نسبت صحيفة فايننشال تايمز إلى مات سميث، المحلل في خدمة الأبحاث “كارجوروس”: “إذا كان بإمكان الناس تأجيل الشراء، فإنهم يفعلون ذلك، ولكن عندما يحتاجون إلى سيارة، الآن أكثر من عام مضى، فإنهم يبحثون عن سيارة أقل تكلفة لأنهم يضطرون إلى التعامل مع أسعار فائدة أعلى”. وأشارت الصحيفة إلى أن أسعار الفائدة لتمويل شراء سيارة جديدة لمدة أربع سنوات بلغت 8.65 في المائة في شهر مايو، وهو أعلى مستوى منذ مايو 2001.
ونوهت فايننشال تايمز بأن الشركات المصنعة تبذل جهدا للتخلص من مستويات المخزون المرتفعة، التي ارتفعت منذ تراجع النقص في فترة الوباء، حيث زادت أحجامها بأكثر من مليون خلال العام الماضي، مع وجود علامات تجارية مثل “جيب” و”لينكولن” تمتلك ما يقرب من ضعف متوسط العرض اليومي في الصناعة. ونقلت عن بول أشوورث، كبير الاقتصاديين الأمريكيين في شركة البحوث الاقتصادية “كابيتال إيكونوميكس” أنه في الوقت الحالي نجد أن العامل الأكبر الذي يبقي المبيعات عند مستوى الركود هو ارتفاع أسعار الفائدة.
من جانبها، أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في وقت سابق، إلى استمرار ورود تحذيرات من الشركات التي تتعامل مع المستهلكين من أن المستهلك الأمريكي أصابه الفلس، وذلك ليس فقط بسبب التضخم التراكمي، بل إن ارتفاع تكاليف الاقتراض لعب دورا كذلك. وذكرت الصحيفة الأمريكية أن السؤال الذي تردده الأسواق في الولايات المتحدة هو: لماذا الانتظار حتى سبتمبر المقبل لخفض أسعار الفائدة؟، وذلك بعد القراءة المنخفضة والمدهشة للتضخم مؤخرا، مشيرة إلى أنه لا يبدو أن هناك سببا وجيها يدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى تأجيل خفض أسعار الفائدة لفترة أطول، فالانتظار لفترة أطول يحمل في طياته مخاطر.
وأضافت الصحيفة أن المعايير التي أعلنها بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة، والتي يمكنه بموجبها أن يكون واثقا من أن التضخم يتحرك نحو هدفه البالغ 2 بالمئة، يبدو أنه تم استيفاؤها. بيد أن جون ويليامز، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، في مقابلة أجرتها معه الصحيفة مؤخرا، أشار إلى أنه نسبة، لأن التضخم لا يسير بصورة منتظمة، فإن عليهم مواصلة مراقبة كيفية تقدمه، مشيرا إلى أنه يريد رؤية المزيد من البيانات للحصول على المزيد من الثقة بأن التضخم يتحرك بشكل مستدام نحو هدفنا البالغ 2 بالمئة.
واستطرد قائلا: “لدينا بضعة أشهر جيدة الآن. وكنا قد مررنا ببعض الأشهر التي لم تكن جيدة فيما يتعلق بالتضخم. لذلك أريد بالتأكيد أن أرى البيانات تستمر في إظهار علامات تشير إلى أننا نتحرك بشكل مستدام إلى 2 بالمئة ليكون لدينا ثقة أكبر في ذلك”.