توقع بنك قطر الوطني QNB تراجعا سريعا لمعدلات التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية، نحو المستوى المستهدف، خلال الأشهر المقبلة. وعزا البنك في تقريره الأسبوعي ذلك إلى البيانات الإيجابية للمؤشرات الرئيسة، والاتجاه الهبوطي الكبير في التضخم غير الدوري، وضعف سوق العمل.
ويرى التقرير أن ذلك سيسمح للبنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بالمضي قدما بحذر في خفض أسعار الفائدة في النصف الثاني من 2024، لأن الأسعار الحالية مرتفعة جدا بالنسبة لمستويات التضخم الحالية والمتوقعة.
واعتبر أنه حتى في ظل التخفيضات المتوقعة في أسعار الفائدة التي أشار إليها بنك الاحتياطي الفيدرالي هذا العام، ستظل أسعار الفائدة مرتفعة لفترة أطول، ومن غير المتوقع أن تعود إلى المستويات الحقيقية السلبية التي شهدتها بعد الأزمة المالية العالمية، وقبل مرحلة التعافي التي أعقبت جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19).
وأشار التقرير إلى أنه تاريخيا، خاصة خلال ما يعرف بفترة الاعتدال الكبير ( 1990 – 2019 ) التي هيمنت عليها معدلات النمو الإيجابية وانخفاض التضخم، نادرا ما كان هناك اهتمام كبير بأرقام التضخم الفعلية، حيث سمح استقرار أوضاع الاقتصاد الكلي بتوقع معدلات التضخم بشكل دقيق قبل عدة أرباع لكن في أعقاب الصدمات الناجمة عن الجائحة والنزاع الروسي الأوكراني، عاد التضخم للارتفاع، وأصبحت ضغوط الأسعار أكثر وضوحا، وزادت حدة التقلبات وصعوبة التنبؤ بها.
ولفت إلى أن تسارع التضخم الأمريكي، الذي يقاس بمؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، ومؤشر أسعار المستهلك، أدى إلى عدم استقرار كبير على مستوى الاقتصاد الكلي، وتطلب تنفيذ جولات من تشديد السياسة النقدية بقوة من قبل الاحتياطي الفيدرالي، مبينا أنه بعد منتصف 2022 اعتدل التضخم بشكل ملحوظ، واقترب من النسبة المستهدفة البالغة 2 بالمئة، وكان السبب وراء ذلك عودة سلاسل التوريد إلى طبيعتها، والتباطؤ الاقتصادي الحميد، وتشديد السياسة النقدية.
ونوه إلى أن التباطؤ السريع في معدلات التضخم أدى إلى انتشار التفاؤل بين السلطات النقدية والمستثمرين، ما دفع الاحتياطي الفيدرالي إلى تغيير توجهاته المستقبلية، والإعلان عن تخفيضات محتملة في أسعار الفائدة.
وأشار إلى أن هذه التوقعات المتفائلة واجهت تحديا في الأسابيع الأخيرة، حيث كانت الأرقام الرسمية لأشهر يناير وفبراير ومارس 2024 أعلى مما كان يتوقع في السابق، ونتيجة لذلك تضاءلت ثقة السوق في تحول التضخم بسرعة إلى النسبة المستهدفة، ويشير هذا إلى احتمال وجود صعوبات في إكمال الجزء الأخير من عملية خفض التضخم، الذي تجاوز المستوى المستهدف، إذ يشير إجماع توقعات بلومبرغ إلى ارتفاع متوسط ??توقعات التضخم في 2024 إلى 3 بالمئة.
ونوه إلى أن إجماع التوقعات يشير أيضا إلى أن التضخم لن يعود إلى النسبة المستهدفة حتى 2026.
وعلى خلفية هذه التطورات، حرص مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي على طمأنة الأسواق بأن صناع السياسات يمكنهم التأني قبل البدء في تنفيذ تخفيضات أسعار الفائدة من أجل ضمان عدم تعرض الاتجاه الهبوطي للتضخم للخطر.
واستشهد التقرير بما قاله جيروم باول رئيس البنك حول أن البيانات الأخيرة لم تمنح قدرا أكبر من الثقة، وبدلا من ذلك فإنها تشير إلى أن تحقيق هذه الثقة سيستغرق وقتا أطول من المتوقع.
ويعتقد التقرير أنه رغم مؤشرات استمرار ضغوط الأسعار، فإن هناك أسباب تدعو لعدم الإفراط في التشاؤم بشأن التضخم بالولايات المتحدة على المدى القريب والمتوسط، متوقعا أن يشهد المزيد من الاعتدال خلال الأشهر المقبلة، مع تقارب مقاييس التضخم الرئيسة نحو النسبة المستهدفة في وقت أبكر مما يتوقعه المحللون وذلك استنادا إلى 3 نقاط رئيسة.
وتتمثل الأولى في أن مؤشرات التضخم الرئيسة تشير إلى استمرار الاتجاه الهبوطي نحو المعدل المستهدف من قبل الاحتياطي الفيدرالي، حيث انخفض تضخم أسعار المنتجين، الذي كان يقود التضخم الرئيسي بنحو الربع، بشكل سريع ليصل إلى 2.1 بالمئة في مارس 2024.
ويرجع ذلك إلى عودة سلاسل التوريد إلى طبيعتها، مع تأثيرات إعادة فتح الاقتصاد، وعدم تصاعد الصراع الروسي الأوكراني، مع ضعف أسعار المدخلات العالمية. إضافة إلى تباطأ تضخم مؤشر نفقات الاستهلاك الشخصي، إلى مستوى قريب من المعدل المستهدف، ولا يزال في اتجاه هبوطي، ويؤكد ذلك اعتدال كبير في ضغوط الأسعار الإجمالية.
ثانيا، رغم التقلبات الأخيرة في التضخم الرئيسي، فإن الاتجاه طويل الأجل للتضخم غير الدوري يظل تحت السيطرة، ما يشير إلى العودة إلى معدل التضخم الطبيعي البالغ 2 بالمئة عاجلا وليس آجلا، فقد تحركت مكوناته غير شديدة التأثر بدورة الأعمال إلى مستويات أدنى لأكثر من عامين، وعادت مؤخرا إلى نطاق 0 – 2 بالمئة، الذي كان سائدا قبل الجائحة.
أما فيما يتعلق بالعامل الثالث فإن سوق العمل يفقد زخمه، وهو ما من شأنه أن يمنع نمو الأجور من التقدم بشكل كبير خلال الأشهر المقبلة، في حين لا تزال معدلات البطالة منخفضة، وعليه فإن المؤشرات الاستشرافية لسوق العمل أصبحت أقل قوة، ويمكن ملاحظة ذلك إلى جانب بعدين: معدل ترك العمل وأرقام فرص العمل، ويشير معدل ترك العمل، إلى تدهور الثقة في السوق، حيث ترك عدد أقل من الأشخاص وظائفهم طوعا بنحو 12 بالمئة في فبراير 2024 مقارنة بالعام السابق.
كما تراجعت معدلات توفير فرص العمل بشكل كبير، مما يشير إلى خلفية أكثر صعوبة للمفاوضات بشأن الأجور، إذ تعد كلفة العمالة عنصرا أساسيا للخدمات، والتضخم الدوري، وهذا من شأنه أن يعوض نمو الأجور، ويساعد على الحد من ضغوط الأسعار.