أستغرب البعض من انخفاض أسعار النفط في تعاملات هذا الأسبوع بنسب اقتربت من 10 في المئة، وهبط سعر الخام الأميركي الخفيف (مزيج غرب تكساس) إلى ما دون 100 دولار للمرة الأولى منذ مطلع مايو الماضي، بينما تم تداول العقود الآجلة لخام برنت القياسي بالكاد فوق ذلك الحاجز (102.77 دولار للبرميل بنهاية تعاملات أمس الثلاثاء.
وترجح مراكز الابحاث أن يواصل سعر النفط الانخفاض في ظل المخاوف من الركود الاقتصادي الذي سيعني تراجع الطلب على الطاقة، لكن هذه النسبة الكبيرة من الانخفاض، منذ مطلع يوليو الجاري ، تعكس ذعر المستثمرين والمتعاملين في الأسواق، الذي بدأت تشهده أسعار الأسهم التي هوت مؤشراتها في النصف الأول من هذا العام، المنتهي في آخر يونيو قبل أيام، بأعلى معدل انخفاض في تلك الفترة منذ نحو 50 عاماً.
لكن انتقال الذعر من أسواق الأسهم إلى أسواق عقود النفط، وسوق السلع عموماً، لا يبرر هذا الهبوط الكبير ، خصوصاً أن أساسات سوق النفط لم تتغير كثيراً من حيث العرض والطلب، وما زالت مخاطر استمرار الحرب في أوكرانيا وتشديد العقوبات على روسيا تهدد أسواق الطاقة. إلا أن عدة عوامل تجمعت معاً لتؤدي إلى هذا الانخفاض الكبير في أسعار النفط، ، في الايام الاخيرة
العامل المباشر هو استمرار ارتفاع سعر صرف الدولار الأميركي الذي بلغ من القوة مستويات عالية. وبما أن أسعار النفط تحسب بالدولار، فإنها تتناسب عكسياً مع سعر صرف العملة الأميركية. أيضاً هناك عامل متعلق بتوقعات التراجع في المنتجات الزراعية، ما جعل المستثمرين يصفون مراكزهم في أسواق السلع عامة ومنها النفط. ولأن العامل النفسي يلعب دوراً كبيراً في سلوك المتعاملين، بخاصة في الأسواق الأميركية، شهدت عقود النفط عمليات بيع هائلة دفعت الأسعار للهبوط بهذا الشكل.
كل ذلك في ظل تصاعد احتمالات الركود الاقتصادي بأسرع وأعمق مما كان مقدراً من قبل. وتنقل صحيفة “وول ستريت جورنال” عن جيم ريتربوش، رئيس شركة الاستشارات النفطية “ريتربوش أند اسوشييتس” قوله، “إن الشعور العام بالسوق في غاية التشاؤم بسبب مؤشرات التباطؤ الاقتصادي”. يضيف، “ضغط تسارع توقعات الركود في النصف الثاني من العام على عدد من السلع هو ما طال أسعار النفط أيضاً إلى حد كبير”.
وبدا ذلك واضحاً في انخفاض أسعار عدد من المعادن في سوق السلع الأميركية، مؤخرا ، كما انخفضت أسعار القطن والذرة والقمح بنسبة 4 في المئة للعقود الآجلة. ووصف أحد المتعاملين الوضع في أسواق السلع بقوله، “المستثمرون يسحبون مراهناتهم من على الطاولة”.
إلى جانب ارتفاع قيمة الدولار وتسارع توقعات الركود في الولايات المتحدة وأوروبا وبريطانيا هناك عامل آخر أسهم في انخفاض أسعار النفط. يتمثل في إلغاء الإضراب الذي كان متوقعاً أن يؤثر في إنتاج شركة الطاقة الحكومية النرويجية بعد تدخل حكومي. ويمثل إنتاج الطاقة من النرويج، بخاصة الغاز الطبيعي، مصدراً لكل أوروبا تزداد أهميته مع احتمالات تقليل الاعتماد على واردات الطاقة من روسيا بسبب الحرب في أوكرانيا.
تلك الأحداث المتصاعدة دفعت المحللين في “سيتي غروب” لإصدار دراسة، يتوقعون فيها أن تنخفض أسعار النفط إلى مستوى 65 دولاراً للبرميل بنهاية هذا العام مع استمرار قوة العرض في السوق وتراجع الطلب نتيجة تباطؤ النمو الاقتصادي. وأضاف محللو “سيتي غروب” أن الأسعار يمكن أن تهوي إلى مستوى 45 دولاراً للبرميل العام المقبل.
وحتى إذا لم تدخل الاقتصادات الرئيسة في ركود، فإن الدراسة قدرت أن تنخفض أسعار النفط إلى مستوى 85 دولاراً للبرميل مع استمرار استيراد الصين والهند للنفط الروسي. ويلاحظ أن العامل المشترك في أغلب التحليلات والتقديرات هو صادرات الطاقة الروسية على الرغم من استمرار الحرب في أوكرانيا وتشديد العقوبات على موسكو.