تزايد أعداد العمال في سوق العمل الأمريكية في الفترة بين عامي 2022 و2023، يعد أمرا إيجابيا وقد ساهم هذا الاتجاه في مساعدة مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي في الولايات المتحدة) على التحكم في معدل التضخم، من خلال فرض ضغوط على الأجور باتجاه الهبوط.
وأوضحت صحيفة “وول ستريت جورنال”، في تقرير لها، أن الاحتياطي الفيدرالي يراقب عن كثب نمو مستويات الأجور كمؤشر على ضغوط الأسعار في الاقتصاد، على اعتبار أن ارتفاعها يمكن أن يثير مزيدا من التضخم إذا قرر أصحاب العمل نقل تكاليفها إلى العملاء.
وبينت الصحيفة أن أعداد القوى العاملة في الولايات المتحدة شهدت زيادة ملموسة خلال الفترة بين عامي 2022 و2023، وذلك مع انحسار وباء كورونا . وفي العام الماضي، ازداد عددهم بنحو 2.4 مليون شخص، بعد إضافة 2.6 مليون في عام 2022. وكانت تلك مكاسب أكبر مما كانت عليه في عام 2019، قبل الوباء مباشرة. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الزيادات تركزت في الأشهر الثمانية الأولى من العام الماضي، حيث شهدت تدفقا كبيرا للعمال إلى الولايات المتحدة، خاصة في الفئة العمرية بين 25 و54 عاما، سواء كانوا مهاجرين أو غير ذلك، نتيجة لأسباب متعلقة بوباء كورونا من قدومهم للبلاد.
وأفادت “وول ستريت جورنال” بأن أصحاب العمل عرضوا زيادات قوية في الأجور في عامي 2022 و2023 ، بهدف جذب المزيد من العمال الذي كان عددهم يعتبر أقل بالمقارنة بعدد الوظائف الكبيرة الشاغرة. وأشارت الصحيفة إلى أن النساء والأمريكيين الذين قد يواجهون صعوبات في الحصول على وظائف كانوا بين الفئات التي استجابت بشكل كبير، مما أدى إلى انضمام أعداد كبيرة إلى سوق العمل.
وأردفت الصحيفة أن الباحثين في بنك الاحتياطي الفيدرالي في كانساس سيتي، وجدوا أن سوق العمل القوي خلال فترة التعافي من الوباء، ساهم بشكل كبير في زيادة مشاركة القوى العاملة ومعدلات التوظيف.
وأكدت الصحيفة أنه ومع انخفاض نقص العمالة، تراجع نمو الأجور والطلب على العمال، مما ساعد على التخلص من بعض ضغوط التضخم. ونقلت عن جيروم باول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي، حين أشار إلى تحسن في معروض العمالة كأحد الأسباب وراء الأداء الايجابي للاقتصاد على الرغم من زيادات أسعار الفائدة التي تهدف إلى تباطؤ النمو.
ولفتت الصحيفة إلى أن تباطؤ التضخم جزئيا يعود إلى التحسن في جانب العرض في الاقتصاد، حيث استمرت سلاسل التوريد في التعافي بعد الاضطرابات الناجمة عن جائحة كوفيد-19، وزادت إمكانية التوظيف بفضل توفر المزيد من العمال، مما أدى إلى تفوق الاقتصاد على التوقعات مع استمرار الطلب وإضافة وظائف جديدة.
وأشارت “وول ستريت جورنال” إلى أن معدل التضخم لا يزال أعلى من هدف بنك الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2 بالمئة، على الرغم من التراجع الكبير في العام الماضي، وأضافت أن صانعي السياسات يتطلعون إلى رؤية تقدم مستمر قبل أن يتم التراجع عن سياسة التشديد النقدي (رفع سعر الفائدة).
وفي هذا الإطار، نقلت الصحيفة عن العديد من صناع السياسة في البنك المركزي الأمريكي، أن التعافي في سلاسل التوريد وتوفر العمالة كان مكتملا إلى حد كبير، وبالتالي فإن التقدم المستمر في خفض التضخم قد يحتاج إلى أن يأتي بشكل أساسي من التراجع في الطلب على المنتجات والعمالة، وذلك وفقا لمحضر اجتماع السياسة الذي عقد في ديسمبر. وأشارت الصحيفة إلى أنه قد يتطلب المزيد من تهدئة ضغوط الأسعار أن يكون هناك تراجع في الطلب وضعف في النمو.
ونقلت “وول ستريت جورنال” عن سارة هاوس، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في شركة “ويلز فارجو”، حيث أشارت إلى أن إذا كان تراجع الطلب على العمال، بدلا من زيادة العرض، يساهم في تقليل مستويات التضخم، فإن ذلك قد يؤثر بشكل أكبر على النمو مقارنة بالوضع الحالي. وأوضحت الخبيرة الاقتصادية أن هذا يعني أن هناك حاجة أقل لجلب عمال إضافيين، وبالتالي يقل عدد الأفراد الذين يحصلون على رواتب، ويقل العدد الإجمالي للأفراد الذين يملكون القدرة على الإنفاق وتحفيز الاقتصاد.
وأشارت إلى أن إنتاجية العمل قد تشهد ارتفاعا، حيث ارتفعت في الربع الثالث من عام 2023 بأعلى معدل منذ عام 2020، وأوضحت أنه يمكن أن تساعد المكاسب الإنتاجية في الضغط على التضخم حيث يمكن لأصحاب العمل موازنة الزيادات في أجور العمال بزيادة الإنتاج.
ونسبت الصحيفة إلى نك بونكر، الخبير الاقتصادي في موقع الوظائف “إنديد”، إن هذه العوامل من شأنها أن تساعد نمو الأجور على الاستمرار في التباطؤ إلى مستويات أكثر اتساقا مع هدف التضخم الذي حدده بنك الاحتياطي الفيدرالي.
وأبقى بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة ثابتة منذ أن رفعها إلى أعلى مستوى له منذ أكثر من عقدين في يوليو الماضي، وخطط لثلاثة تخفيضات في أسعار الفائدة هذا العام. ولم يذكر المسؤولون متى قد تبدأ التخفيضات، وشددوا على أنهم بحاجة إلى الشعور بالثقة بأن التضخم سوف ينخفض قبل تخفيف موقفهم التقييدي الحالي.