أجتمع قادة (دول البريكس) في قازان، لعقد القمة السنوية للتكتل، الذي يشمل الآن مجموعة موسعة من الأعضاء. و تعد هذه القمة الأولى منذ انضمام أعضاء جدد؛ مصر والإمارات وإثيوبيا وإيران (بينما السعودية لم تحسم أمرها بعد) في وقت سابق من هذا العام، بعدما تمت دعوة ست دول للانضمام رسمياً للمجموعة بختام قمة جوهانسبرغ- جنوب أفريقيا العام الماضي (كانت الأرجنتين من بينهم، قبل أن تتراجع عن الانضمام للمجموعة بعد وصول الرئيس خافيير مايلي للحكم).
وكانت روسيا، التي تتولى رئاسة البريكس هذا العام، قد دعت أكثر من عشرين دولة أخرى أبدت اهتمامها بالانضمام إلى المجموعة، لتكون أول قمة لـ “بريكس+”. و تُمثل الدول العشر التي تشكل مجموعة البريكس (حال تأكد موقف انضمام السعودية بشكل رسمي) حوالي 45% من سكان العالم، و 28% من الناتج الاقتصادي العالمي، وأكثر من 44% من النفط الخام العالمي، بما يعكس مكانة المجموعة وأهميتها.
ويُراهَن على أن تكون المجموعة “مسؤولة عن غالبية النمو الاقتصادي العالمي خلال السنوات المقبلة؛ وذلك بفضل حجمها ونموها السريع نسبياً مقارنة بنمو الدول الغربية المتقدمة”، طبقاً لما ذكره الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في 19 أكتوبر الجاري، فيما يأمل أن تصبح ثقلاً موازياً لقوى للغرب في السياسة والتجارة العالمية، حسبما أبلغ المسؤولين ورجال الأعمال في منتدى الأعمال البريكس في موسكو.
مصر
أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى، أن مصر تؤمن إيمانا راسخا، بأهمية تعزيز النظام الدولى متعدد الأطراف، وفى قلبه الأمم المتحدة وأجهزتها، باعتباره الركيزة الأساسية للحفاظ على مكتسبات السلام والاستقرار والتنمية، والضمانة القوية لحفظ الأمن والسلم الدوليين، إلا أن الأزمات المتعاقبة التى عصفت بالعالم، خلال السنوات الماضية، قد أوضحت بما لا يدع مجالا للشك، عجز النظام الدولى عن التعامل بإنصاف مع الصراعات حول العالم .. فضلا عن حالة الاستقطاب والانتقائية، التى أضحى النظام الدولى يتسم بها. جاء ذلك خلال كلمة الرئيس عبد الفتــاح السيسى، خلال الجلسة العامة الثانية الموسعة بقمة مجموعة بريكس تحت عنوان: “تعزيز النظام المتعدد من أجل التنمية والأمن العالميين العادلين” المنعقدة بمدينة قازان الروسية.
روسيا والصين
اقترح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الأربعاء، إنشاء بورصة مخصصة لتداول الحبوب بين الدول الأعضاء في مجموعة بريكس، على أن يتم توسيعها لاحقاً لتشمل سلعاً رئيسية أخرى. جاء ذلك خلال كلمة لبوتين في افتتاح قمة زعماء الدول الأعضاء في بريكس. وأضاف “دول بريكس من أكبر منتجي الحبوب والبقول والبذور الزيتية في العالم. ولذلك، اقتراحنا إنشاء بورصة لتداول الحبوب بين أعضاء المجموعة”. وذكر أن البورصة “ستساهم في جعل مؤشرات أسعار المنتجات والمواد الخام أكثر عدلا ويمكن التنبؤ بها نظرا لأهميتها في ضمان الأمن الغذائي”. وتابع قائلا “تنفيذ هذه المبادرة سيساهم في حماية الأسواق المحلية من التدخلات الخارجية السلبية والمضاربة ومحاولات إحداث نقص غذائي غير حقيقي”.
واقترح أيضا إنشاء منصة منفصلة لتداول المعادن النفيسة والألماس. وأشار بوتين في كلمته أيضا إلى إنشاء منصة استثمارية لمجموعة بريكس لتسهل الاستثمارات المتبادلة بين دول المجموعة مع إمكانية استخدامها أيضا في دول أخرى في الجنوب العالمي.
ووفق تحليل لمعهد الولايات المتحدة للسلام USIP، فإن قمة قازان تشكل فرصة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإظهار أن جهود الغرب لعزل موسكو بسبب الحرب على أوكرانيا (المستمرة منذ 22 فبراير) لم تنجح. ويأتي ذلك في وقت تهدف فيه روسيا والصين، زعيمتا مجموعة البريكس، إلى بناء بديل للهياكل الأمنية والمالية التي يقودها الغرب، وتريان في توسيع المجموعة خطوة مهمة لتحقيق هذه الغاية. وفي هذا السياق، يشرح آدم غالاغر وأندرو تشيثام من معهد السلام الأميركي، السبب وراء رغبة عديد من البلدان في الانضمام إلى المجموعة، وكيف يتقاطع توسع مجموعة البريكس مع اتجاهات عالمية أخرى وما يعنيه ذلك بالنسبة للولايات المتحدة.
فوائد اقتصادية
هناك أكثر من 30 دولة تقدمت بطلبات رسمية أو أبدت اهتمامها بالانضمام إلى البريكس، مثل تايلاند وماليزيا وفيتنام وتركيا، ومنتجي النفط والغاز الرئيسيين مثل الجزائر (قبل أن يُعلن الرئيس عبد المجيد تبون أن بلاده -التي لم تتم دعوتها للانضمام ضمن المجموعة السابقة المكونة من ست دول- طوت صفحة الانضمام للتكتل). علاوة أيضاً على دول ذات أعداد سكانية كبيرة مثل إندونيسيا ونيجيريا وبنغلاديش. تتيح العضوية في هذه المجموعة الناشئة فوائد اقتصادية واضحة، حيث تمثل الدول العشر التي تشكل البريكس 45% من سكان العالم و28% من الناتج الاقتصادي العالمي و47% من إنتاج النفط الخام.
ووفق USIP، فقد شهدت التجارة داخل مجموعة البريكس نمواً ملحوظاً، حيث تم تشجيع استخدام العملات المحلية في التجارة بين الأعضاء. وزادت التجارة الداخلية بين دول البريكس بنسبة 56% من 2017 إلى 2022، ونتيجة للعقوبات الغربية على روسيا، ازدادت هذه التجارة. وتسهم العقوبات الغربية وحالة الدولار كعملة احتياطية عالمية في دفع الدول إلى الانضمام للبريكس. كما تسعى الدول التي تأثرت بالعقوبات الأميركية، مثل روسيا والصين، إلى تقليل هيمنة الدولار لتفادي العقوبات وتقليل نفوذ الولايات المتحدة. وقد برزت الصين كزعيم في جهود تخفيض الاعتماد على الدولار، حيث أصبح اليوان العملة الأساسية في التجارة بين الصين وروسيا.
من موسكو، يقول الاستاذ بكلية موسكو العليا للاقتصاد، رامي القليوبي إن انعقاد قمة بريكس في قازان تحت رئاسة روسيا، كأول قمة بالتشكيلة الموسعة بعد انضمام خمس دول العام الماضي، يندرج ضمن المساعي الروسية والصينية أيضاً لإقامة نظام عالمي عادل متعدد الأقطاب وفق رؤيتهما الخاصة، وبصفة خاصة فيما يخص النظام الاقتصادي.
ويضيف: “ولذلك تسعى المجموعة لجذب المزيد من الدول النامية حتى تقدم لهم بديلاً عن رؤية المؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولي للاقتصاد العالمي، وكيفية التنمية والإقراض وهكذا”.
كذلك يجرى الحديث كثيراً عن مشاريع عملاقة مثل إطلاق عملة رقمية موحدة والاعتماد على العملات الوطنية في التعاملات التجارية بين دول التكتل، ولكن “حتى الآن كل هذه المشاريع لا تزال بعيدة المنال.. ربما التعامل بالعملات الوطنية سارياً الآن ولكن في إطار ثنائي بين الدول مثل روسيا من جانب والصين والهند من جانب آخر، ولكن ليس على مستوى المجموعة ككل؛ لأن هذه المجموعة ليست منظمة تقليدية بل هي أقرب لنادي اقتصادي، كمااكتسبت أخيراً بعداً سياسياً بعد أن ازداد عدد أعضائها بهذه الصورة”، وفق القليوبي.
يشار في هذا السياق، إلى بنك التنمية الجديد، باعتباره ذراع مالي مهم لبريكس، والذي أُسس في العام 2014 من قِبل دول مجموعة البريكس بهدف دعم التنمية المستدامة وتمويل مشاريع البنية التحتية في الدول الأعضاء والدول النامية الأخرى.
يُعرف البنك بكونه بديلاً عن المؤسسات المالية التقليدية التي تهيمن عليها القوى الغربية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. ويسعى إلى تقديم تمويل بشروط مرنة وبفوائد منخفضة مقارنةً بالبنوك الغربية، مما يجعله جاذباً للدول التي تواجه صعوبات اقتصادية أو ترغب في تقليل اعتمادها على الدولار الأميركي.
تنافس القوى الكبرى
تأتي قمة البريكس في وقت حاسم حيث تشهد الولايات المتحدة تراجع هيمنتها العالمية. يشير تعبير “تنافس القوى الكبرى” أو “الحرب الباردة الجديدة” إلى الديناميات العالمية الحالية، لكن هذه الأطر قد لا تعكس بشكل كافٍ التحولات التي يشهدها العالم، وفق تحليل آدم غالاغر وأندرو تشيثام من معهد السلام الأميركي.
ويضيفا أن التحول إلى نظام متعدد الأقطاب هو اتجاه رئيسي يجب أخذه بعين الاعتبار. بالنسبة لدول الجنوب العالمي، فإن تعددية الأقطاب توفر وسيلة أكثر أمانًا للحد من الهيمنة. ومع ذلك، تعاني المؤسسات متعددة الأطراف، مثل الأمم المتحدة، من عدم الفعالية، حيث لا تعكس تركيب السلطة المعاصر، مما يؤدي إلى أزمة في النظام الدولي.
من جانبه، يقول مدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، ديمتري بريجع، ، إن مجموعة بريكس تعد إحدى أهم المنصات لتحويل العالم إلى عالم متعدد الأقطاب، لكن هذا التحول يتطلب أدوات فعالة وأفكار بعيدة المدى.
أولاً، يتعين أن تكون هناك أيديولوجيا أو سياسة واضحة يتفق عليها جميع الدول الأعضاء، على غرار الاشتراكية التي كانت أساس التحالف السوفيتي، أو الديمقراطية التي تبنتها الولايات المتحدة كنظام رئيسي. كل دولة تحتاج إلى هدف مشترك وواضح تتحرك باتجاهه، بحسب بريجع.
ثانياً: هناك حاجة ماسة إلى التعاون المشترك في مواجهة الأزمات العالمية، مثل الحروب والصراعات في الشرق الأوسط أو الأزمة الأوكرانية، التي تؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي والنظام الغذائي. إذا لم توجد حلول جماعية لهذه التحديات، فقد تظل مجموعة بريكس كياناً ضعيفاً في التعامل مع تلك الأزمات.
ثالثاً: يجب التفكير بجدية في فكرة العملة الموحدة التي تجمع كل دول بريكس، خاصة الدول التي تواجه عقوبات مثل روسيا وإيران. يمكن لهذه العملة أن تكون نواة لنظام مالي جديد. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري التفكير في إنشاء عملة رقمية ونظام مالي مبتكر يكون بعيداً عن تأثير النظام البنكي العالمي الحالي.
ويختتم حديثه بقوله: التحديات التي تواجه مجموعة بريكس كبيرة، لكن الفرص والإمكانات المتاحة أكبر إذا تم استغلالها بالشكل الصحيح.
الولايات المتحدة
بحسب معهد الولايات المتحدة للسلام USIP، فإنه يتعين على واشنطن أن تأخذ هذه الاتجاهات بجدية، ولكن دون مبالغة، فقد تؤدي مجموعة البريكس الموسعة إلى زيادة قوتها في الساحة الدولية أو قد تتسبب في عرقلة صنع القرار داخل المجموعة. بينما تتطلع العديد من دول البريكس+ إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، مثل السعودية والهند، فإن البريكس تبزغ كبديل للهيمنة الجغرافية السياسية الغربية. يأتي ذلك في وقت تشهد فيه السنوات الأخيرة ارتفاعاً ملحوظاً في النزاعات، حيث فشلت المؤسسات متعددة الأطراف في معالجة هذه الأزمات بشكل فعال. وبالتالي يتطلب العصر الجديد متعدد الأقطاب نظاماً متعدد الأطراف مُجدداً لمواجهة التحديات المعقدة، من الحروب إلى التغير المناخي والتكنولوجيا مثل الذكاء الاصطناعي.
ووفق المعهد، فإن ثمة توافقاً واسعاً على الحاجة إلى الإصلاح، حيث عبرت الولايات المتحدة عن دعمها لإصلاح مجلس الأمن، بما في ذلك إضافة مقعدين دائمين لدول إفريقية. يُعتبر التعامل الجاد مع مخاوف دول الجنوب العالمي حول نقص تمثيلها في الساحة الدولية خطوة أولى هامة.