ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن معركة الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) ضد التضخم على مدى عامين ونصف، والتي تسير لصالحه، يمكن أن تتجه في الاتجاه المعاكس عقب نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية. وأوضحت الصحيفة في تقرير لها، أن التضخم انخفض بسبب رفع أسعار الفائدة ومعالجة الخلل الذي أصاب سلاسل التوريد، فضلا عن تدفق العمال لسوق العمل. إلا أن الصحيفة أشارت إلى أن مسألة استمرار انخفاض تكلفة الاقتراض والأسعار تعتمد بصورة كبيرة على الخيارات السياسية لأحد الفائزين في سباق الرئاسة الأمريكية، إما دولاند ترامب أم كمالا هاريس.
وأشارت الصحيفة إلى أن كلا المرشحين يدعمان السياسات الرامية إلى تعزيز النمو، وهذه سياسة من شأنها أن تمنع انخفاض التضخم بصورة أكبر. إلا أن الخبراء الاقتصاديين وفقا للصحيفة، يخشون أن الأفكار التي يدعمها ترامب على وجه الخصوص قد تؤدي إلى تأجيج التضخم، إذ تشمل هذه الأفكار مقترحاته بفرض تعريفات جمركية شاملة على السلع المستوردة، وترحيل العمال، والضغط على بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة. ونقلت عن بريان ريدل، المساعد السابق لأحد أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين، ويعمل الآن في معهد مانهاتن، أنه إذا جمعنا كل هذه العوامل معا، فسوف نجد أنها تتحرك في اتجاه تضخمي، مضيفا أن له مبرراته في الشعور بالقلق إزاء تفاقم التضخم في عام 2025.
وأردفت الصحيفة أنه علاوة على ذلك، فإن ولاية ثانية لترامب ستكون في ظل خلفية اقتصادية مختلفة تماما عن ولايته الأولى عندما كانت ضغوط الأسعار منخفضة ومستقرة لسنوات عديدة. ولفتت الصحيفة إلى ارتفاع عائدات السندات، بسبب توقعات بفوز ترامب بالرئاسة وأن ولايته الجديدة سوف تجلب عجزا أعلى، أو تضخما، أو كليهما. وقال مارك شورت، الذي شغل منصب مدير الشؤون التشريعية في البيت الأبيض في عهد ترامب، إنه في ضوء البيئة الاقتصادية المتغيرة والسياسات كبيرة الأثر التي اقترحها ترامب، فمن المعقول أن نشعر بالقلق من تضخيم تهديدات التضخم في فترة ولاية ترامب الثانية، وفقا للصحيفة. وأضافت أن مقترحات ترامب قد تجره إلى معارك جديدة مع بنك الاحتياطي الفيدرالي، الذي من المفترض أن يحافظ على انخفاض التضخم.
وبالنسبة لبنك الاحتياطي الفيدرالي وفقا للصحيفة، فإن تحديد التأثيرات المترتبة على الرسوم الجمركية المرتفعة سيكون معقدا وغير مريح، وأن أي شيء من شأنه أن يعيد أشغال التضخم من جديد قد يدفع المسؤولين إلى إبطاء أو حتى وقف خطط خفض أسعار الفائدة، بعد أن بدأوا في خفض معدلات الفائدة من أعلى مستوى لها منذ عقدين من الزمن في الشهر الماضي.
ويستنتج مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي، أن الرسوم الجمركية تشبه زيادة الضرائب التي تضعف الطلب، ففي عام 2019، أدت الرسوم الجمركية المرتفعة إلى إرباك أسواق الأسهم وهددت بتثبيط الاستثمار التجاري. وذكرت الصحيفة أن البعض يعتقد أن البنك المركزي قد يظل محايدا، ففي مؤتمر عقد هذا الصيف، اقترح كريستوفر والر، محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي الذي عينه ترامب، أنه إذا تسببت الرسوم الجمركية في زيادة الأسعار لمرة واحدة، “فيبدو الأمر وكأنه صدمة العرض النهائية التي يجب على البنك المركزي أن يتجاهلها”.
ولفتت وول ستريت جورنال إلى أن آخرين يخشون أن تؤدي الرسوم الجمركية إلى تأجيج التضخم، فعلى سبيل المثال، قد يبدأ العمال في المطالبة بأجور أعلى لأن الأسعار ترتفع. وقد يقوم شركاء الولايات المتحدة التجاريون بفرض رسوم جمركية على منتجات أخرى، مما قد يؤدي إلى اندلاع حرب تجارية متجددة. وقال رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي في شيكاغو أوستن جولسبي في مقابلة سابقة: “هذا، في نظري، يبدو سبب أكبر للتضخم، مقارنة بالتغيير لمرة واحدة في مستوى الأسعار”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الاحتياطي الفيدرالي سيجد صعوبة في عدم فعل شيء إذا ارتفعت الأسعار، لأن المسؤولين أخطأوا في تقدير ارتفاع الأسعار في عام 2021 باعتباره شيئا “مؤقتا”. وبمجرد أن زادت ضغوط الأسعار، رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بقوة للتأكد من أن الشركات والعمال لن يتوقعوا أن تكون الأسعار المرتفعة هي القاعدة الجديدة، وفقا للصحيفة.
وذهبت الصحيفة إلى القول إن التضخم يمكن أن يدفعه إلى حد كبير قوى عالمية، وليس رؤساء فرديين. فخلال فترة ولاية ترامب، أدت تداعيات الأزمة المالية العالمية في عام 2008 إلى إبقاء الطلب وضغوط الأسعار خافتة على مستوى العالم. وارتفع التضخم إلى عنان السماء بعد وقت قصير من تولي الرئيس بايدن منصبه، مع إعادة فتح الولايات المتحدة بعد الجائحة. وانخفض التضخم بشكل مطرد مع حل مشاكل العرض ومع قيام بنك الاحتياطي الفيدرالي برفع أسعار الفائدة لمنع المزيد من التضخم المفرط. وانخفض مؤشر أسعار المستهلك إلى 2.4 بالمئة الشهر الماضي، وهو ما يقرب من مستواه قبل الوباء. وبالنظر إلى المستقبل، من المرجح أن تظل الاتجاهات العالمية هي المحركات الرئيسية للتضخم، ويمكن للرؤساء اتخاذ خطوات تضيف إلى هذه القوى أو تقلل منها، وفقا لما أوردته الصحيفة.