في الوقت الذي رفع فيه صناع السياسة في بنك إنجلترا (البنك المركزي في المملكة المتحدة) تكلفة الاقتراض (سعر الفائدة) إلى 5.25% في وقت سابق من هذا الشهر، وهو الارتفاع الرابع عشر على التوالي في سعر الفائدة، يتعرض بنك إنجلترا لضغوط متجددة لرفع أسعار الفائدة الشهر المقبل بعد ارتفاع الأجور في بريطانيا بمعدل قياسي. وأظهرت بيانات مكتب الإحصاء الوطني البريطاني الصادرة، أمس الثلاثاء، ارتفاع متوسط الأجور في بريطانيا خلال الأشهر الثلاثة المنتهية في 30 يونيو الماضي بنسبة 7.8% وهو أعلى معدل نمو سنوي منذ بدء تسجيل بيانات نمو الأجور.
وذكرت وكالة بلومبيرج للأنباء، أن المتعاملين في أسواق المال البريطانية يتوقعون زيادة كبيرة جديدة في سعر الفائدة ببريطانيا، بعد النمو القوي في مستويات الأجور، وأضافت أن تلك الزيادة في الأجور لن تمنح بنك إنجلترا المركزي فرصة واسعة لإنهاء أطول دورة لرفع أسعار الفائدة منذ ثلاثة عقود. من جانبها، ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية، أن أكبر مكسب في الدخل للعاملين كان في مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات والعاملين في مجال الخدمات التجارية مثل التسويق والإعلان، وأوضحت أن العاملين في قطاع الخدمات المالية والتجارية زاد دخلهم بنسبة 9.4%، وارتفعت أجور عمال التصنيع بنسبة 8.2%. كما وزادت رواتب القطاع العام بنسبة 6.2%.
وحول المخاوف من تصاعد الأسعار جراء ارتفاع الأجور، نقلت الغارديان عن ريشي سوناك رئيس الوزراء البريطاني حيث أكد أن مكافحة التضخم تعد من أولوياته، وأشار إلى وجود “ضوء في نهاية النفق” بالنسبة لأزمة تكلفة المعيشة في المملكة المتحدة. وأثناء زيارته لمستشفى باكينجهامشير، أضاف رئيس الوزراء البريطاني أنه يعتبر أن التضخم هو العامل الذي يجعل الأفراد يشعرون بزيادة حدة الفقر، وإنه يستنزف المدخرات في حسابهم المصرفي.
ونقلت الصحيفة عن شركة كابيتال إيكونوميكس الرائدة للاستشارات في لندن، أن النمو المتسارع للأجور يصب في صالح زيادة أخرى يقوم بها بنك إنجلترا لسعر الفائدة. ويرجح المستثمرون أن لجنة السياسة النقدية التي يرأسها أندرو بيلي محافظ البنك قد تقوم بزيادة أخرى في أسعار الفائدة خلال اجتماع سبتمبر المقبل، وربما يكون هناك زيادة إضافية في نوفمبر، وفي الوقت نفسه أبقى فيه البنك المركزي الأوروبي ومجلس الاحتياط الاتحادي (البنك المركزي) الأمريكي الباب مفتوحا أمام مواصلة تشديد السياسة النقدية لكبح جماح التضخم.
وذكرت الصحيفة البريطانية أن أسواق المال تشير إلى أن هناك فرصة بنسبة 84% أن يقوم البنك المركزي في المملكة المتحدة برفع أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية في سبتمبر المقبل أي إلى 5.5%، كما توقعت أسواق المال فرصة بنسبة 16% لزيادة أكبر بمقدار نصف نقطة، أي إلى 5.75%. وأشارت الصحيفة إلى أنه من المتوقع أن تبلغ أسعار الفائدة ذروتها عند 6% في فبراير من العام المقبل.
بيد أن الصحيفة ذكرت أن انخفاض التوظيف وفرص العمل الشاغرة، وارتفاع معدلات البطالة والتسريح التي أظهرتها أحدث البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء البريطاني، سينظر إليها بنك إنجلترا كدليل على أن الزيادات الـ 14 في أسعار الفائدة منذ ديسمبر 2021 لديها تأثير يعمل في اتجاه تهدئة سوق العمل الذي بدوره سيؤدي إلى خفض التضخم.
ونقلت الصحيفة عن مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، أنه كان هناك انخفاضا بلغ 66 ألف وظيفة في الأشهر الثلاثة حتى يونيو، وكان هناك انخفاض هائل قدره 567 ألف في التوظيف في يونيو وحده.
كما أن المزيد من الناس يبحثون عن فرص عمل في الأشهر الأخيرة نتيجة للضغط الذي يتعرضون له على ميزانيات أسرهم بسبب تفاقم أزمة تكلفة المعيشة. وأدت تلك الظروف التي جمعت بين ضعف الطلب على العمالة وارتفاع المعروض من العمال إلى زيادة معدل البطالة بمقدار 0.3 نقطة مئوية إلى 4.2% بين الربعين الأول والثاني من عام 2023. وبلغ معدل البطالة في يونيو 4.6 %.
ونقلت الجارديان عن صموئيل تومبز المحلل البريطاني في شركة بانثيون ماكرو إكونوميكس، أن التغيرات في سوق العمل تستغرق وقتًا قبل أن تظهر، وأن ارتفاع الدخل قد يكون قد بلغ ذروته، مضيفا أن العديد من مؤشرات الاستطلاع تشير حاليا إلى تباطؤ في زيادات الأجور. ومن المقرر أن تصدر بيانات حول التضخم اليوم ، ومن المتوقع أن تظهر ارتفاع الأسعار بمعدل سنوي أبطأ في يوليو، كما أنه من المتوقع أن ينخفض معدل التضخم إلى حوالي 6.8%. يسعى البنك المركزي في المملكة المتحدة إلى تحقيق هدفه المستهدف لمعدل تضخم يبلغ 2%.
وفي سياق متصل كشفت بيانات رسمية اليوم، أن التضخم في بريطانيا تباطأ كما كان متوقعا في يوليو الماضي، إلى أدنى معدلاته السنوية منذ فبراير 2022، على الرغم من وجود المزيد من المؤشرات التي يراقبها بنك إنجلترا البنك المركزي البريطاني وتعكس ضغوطا على أسعار السلع الأساسية والخدمات.
وأوضح مكتب الإحصاء الوطني البريطاني، أن تضخم أسعار المستهلكين السنوي تباطأ إلى 6.8% مقارنة مع 7.9% في يونيو الذي سبقه، ويتحرك معدل التضخم بذلك مبتعدا أكثر عن أعلى مستوى في 41 عاما الذي بلغه في أكتوبر الماضي عند 11.1 %، لكنه لا يزال أعلى من المستوى المستهدف من البنك المركزي البالغ اثنين بالمئة.
وعلى الرغم من التراجع، لا تزال بريطانيا تحتفظ بأحد أعلى معدلات النمو في الأسعار في غرب أوروبا، إذ لم يتجاوزها في التضخم سوى آيسلندا والنمسا في يوليو العام الحالي. ويراقب بنك إنجلترا معدل التضخم الرئيسي، الذي يستثني أسعار الطاقة والغذاء المتقلبة، وأسعار خدمات المستهلكين عن كثب.
وظل معدل التضخم الرئيسي عند 6.9% في يوليو دون تغيير عن يونيو، وارتفع تضخم أسعار الخدمات من 7.2% في يونيو إلى 7.4 %. ومن جهته قال جيريمي هانت وزير المالية “يتباطأ ارتفاع الأسعار، لكننا لسنا عند خط النهاية.. يجب أن نلتزم بخطتنا لخفض التضخم إلى النصف هذا العام، وإعادته إلى هدف 2% في أقرب وقت ممكن”.