خلافا لتوقعات المستثمرين، أشارت استطلاعات الرأي لكبار الاقتصاديين الأكاديميين التي أجرتها صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، ،إلى أن الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي ) سيرفع معدل الفائدة على الأقل بمقدار ربع نقطة مئوية للسيطرة على التضخم، في حين ترى وكالة بلومبيرج الاقتصادية للأنباء وجود اتجاه لوضع جانب عرض السلع والخدمات في الاعتبار بصورة أكبر، بعد أن كان التركيز منصبا فقط على إبطاء الطلب على السلع والخدمات لمكافحة التضخم. وأوضحت وكالة بلومبيرج، في تقرير لها، أن حجر الزاوية في نظرية الاقتصاد الكلي السائدة هو أن السياسة النقدية تعمل في الغالب على الطلب، أي أنه عند رفع أسعار الفائدة، يصبح الاقتراض أكثر تكلفة، وينخفض الطلب، مما يؤدي إلى خفض التضخم.
بيد أن الوكالة ذهبت إلا أنه وفي مواجهة الإشارات المحدودة التي تشير إلى تباطؤ الطلب في الولايات المتحدة على الرغم من ارتفاع أسعار الفائدة بأكثر من خمس نقاط مئوية، فإن المنطق يقول إن بنك الاحتياطي الاتحادي يحتاج إلى مساع جديدة.
ونوهت بأن صناع السياسات ومراقبي بنك الاحتياطي الاتحادي يولون الآن المزيد من الاهتمام لخط جديد من الحجج، مفاده بأن البنوك المركزية بحاجة إلى أن تأخذ في الاعتبار ما تعنيه تصرفاتها بالنسبة لجانب العرض الخاص بالسلع والخدمات.
ونسبت بلومبيرغ إلى مايك كونزال، مدير تحليل الاقتصاد الكلي في معهد روزفلت، في بحث نشر هذا الشهر قوله : “إن غالبية تراجع التضخم كان مدفوعا بتوسيع العرض بدلا من انخفاض الطلب”. وأوضحت أنه يمكن أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة للغاية إلى تقويض مكافحة التضخم، من خلال إخماد فوائد زيادة العرض.
ونقلت الوكالة تحذيرا أطلقه مجموعة من خبراء الاقتصاد من أن السياسة النقدية يمكن أن يكون لها تأثير مهم على العرض، وهو ما يؤثر على اتجاهات الاقتصاد على المدى الطويل، مشيرة إلى أن جيروم باول رئيس بنك الاحتياطي الاتحادي ومحافظي البنوك المركزية من جميع أنحاء العالم، تطرقوا إلى هذه الحجة في ورقة بحثية رئيسية في ندوة جاكسون هول السنوية الشهر الماضي.
كما نقلت بلومبيرغ عن الورقة البحثية أن الأدلة تشير إلى أن ارتفاعات أسعار الفائدة تؤثر على ظروف التمويل والرغبة في المخاطرة، مما يحد من جانب العرض في الاقتصاد. كما سلط باول نفسه في الندوة الضوء على دور العرض كعامل حيوي مكمل للطلب، قائلا “بينما تعمل هاتان القوتان (العرض والطلب) الآن معًا لخفض التضخم، لا يزال أمام العملية طريق طويل لتقطعه”.
وخلافا لما تسعى له البنوك المركزية لتهدئة الطلب على السلع والخدمات، ذكرت بلومبيرغ أنه يمكن أن يكون الطلب المستمر أمرا جيدا، حيث يساعد المنتجين على تمويل الاستثمارات لإعادة تنظيم سلاسل التوريد، مضيفة كما أنه يمكن أن تؤدي السياسة النقدية المتشددة أيضا إلى نتائج عكسية بالنسبة لقطاعات معينة من الاقتصاد، مثل الإسكان، فتكاليف الاقتراض المرتفعة تاريخيا يمكن أن تعوق البناء، مما يبقي تكاليف المأوى مرتفعة.
ويسعى البنك المركزي الأمريكي إلى إعادة التضخم بشكل مستدام إلى هدفه البالغ 2 بالمئة على مدى السنوات القليلة المقبلة، في الوقت الذي وصل فيه معدل التضخم في الوقت الحالي 4.2 بالمئة.
أما صحيفة فايننشال تايمز البريطانية فقد ذكرت أن أكثر من 40 في المائة من كبار الاقتصاديين، أشاروا إلى أنهم يتوقعون أن يرفع بنك الاحتياطي الاتحادي البنك المركزي الإمريكي أسعار الفائدة مرتين أو أكثر من المستوى القياسي الحالي البالغ 5.25-5.5 في المائة، وهو أعلى مستوى منذ 22 عاما، وذلك في استطلاع للرأي أجرته الصحيفة البريطانية.
ويتناقض هذا بشكل حاد مع المزاج السائد في الأسواق المالية، حيث يعتقد المتداولون في العقود الآجلة للأموال الفيدرالية أن سياسة البنك المركزي الأمريكي مقيدة بما يكفي للسيطرة على التضخم، وبالتالي يمكنه إبقاء أسعار الفائدة ثابتة حتى عام 2024.
ويشير الاستطلاع، الذي أجري بالشراكة مع مركز كينت كلارك للأسواق العالمية في كلية إدارة الأعمال بجامعة شيكاغو، إلى أن القضاء التام على ضغوط الأسعار وخفض التضخم إلى 2 في المائة سيتطلب تكاليف اقتراض باهظة أكثر من التي تتوقعها الأسواق المالية في الوقت الحالي، بحسب الصحيفة.
ونسبت فايننشال تايمز لجولي سميث، أستاذة الاقتصاد في كلية لافاييت القول ، أن بعض الإشارات التي تشير إلى أن السياسة ليست متشددة بما يكفي، مضيفة أن القطاعات الحساسة لأسعار الفائدة مثل سوق الإسكان ظلت “قوية بشكل مدهش”.
وتابعت الأكاديمية الأمريكية أنه لا يبدو أن هناك أحجاما كافية من المستهلكين لإبطاء الاقتصاد، مؤكدة أن هذه هي المشكلة حقا.
وأضافت الصحيفة أنه من بين 40 من المشاركين في الاستطلاع في الفترة ما بين 13 و15 سبتمبر الجاري، يعتقد حوالي 90 في المائة أن بنك الاحتياطي الاتحادي لديه المزيد من العمل للقيام به.
ويتوقع ما يقرب من نصف الاقتصاديين الذين شملهم الاستطلاع أن يصل سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية إلى ذروته عند 5.5-5.75 في المائة، مما يشير إلى زيادة أخرى في سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية.
كما يتوقع 35 في المائة آخرون أن يقوم بنك الاحتياطي الاتحادي بتحريك درجتين إضافيتين بمقدار ربع نقطة، مما يدفع سعر الفائدة إلى 5.75-6 في المائة، بينما يعتقد ما نسبته 8 في المائة من الذين تم استطلاعهم أن سعر الفائدة الرسمي سيتجاوز 6 في المائة.
وبمجرد وصول أسعار الفائدة إلى ذروتها، رأى الاقتصاديون الذين شملهم الاستطلاع وبأغلبية ساحقة أن بنك الاحتياطي الاتحادي سيبقي معدل الفائدة عند هذا المستوى لبعض الوقت. ويعتقد نحو 60 في المائة ممن شملهم الاستطلاع أن التخفيض لمعدل الفائدة الأول سيأتي في الربع الثالث من العام المقبل أو في وقت لاحق، وفقا للصحيفة.