ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية أن الشركات والأسر في الاقتصادات الكبرى تجد صعوبة في التعافي من فترة التضخم المرتفع التي أصابت البلدان، وذلك في ظل توقعات النمو غير الثابتة وعدم اليقين السياسي واللذين يلقيان بظلالهما السالبة على الثقة. وأوضح بحث، أجرته مؤسسة “بروكينغز”البحثية الأمريكية لصالح صحيفة فايننشال تايمز، أنه بالرغم من أن النشاط الاقتصادي لا يزال قويا نسبيا، فإن مؤشرات الثقة تراجعت بشكل حاد أو ظلت عالقة في المنطقة السلبية.
وبينت الصحيفة من خلال مؤشرات “بروكينغز- فايننشيال تايمز” لتتبع التعافي الاقتصادي العالمي، أو ما يسمى بمؤشر “تيغر”، أن المعنويات هي نقطة الضعف في الاقتصاد العالمي. وأردفت أن ما يسهم في حالة المعنويات المنخفضة هي عوامل مثل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في الخامس من نوفمبر المقبل والاضطرابات الجيوسياسية، بما في ذلك ما يجري في الشرق الأوسط والحرب الروسية في أوكرانيا.
ونقلت الصحيفة عن إيسوار براساد، الزميل الأول في مؤسسة “بروكينغز” أن هناك شعورا بالكآبة وعدم اليقين، وأن مؤشرات الثقة سيئة للغاية في البلدان التي تشهد أداء (اقتصاديا) جيدا، وكذلك البلدان التي لا تشهد أداء جيدا جدا.
وأشارت فايننشال تايمز إلى أن هذه النتائج تأتي في الوقت الذي يستعد فيه صناع السياسات والاقتصاديون للاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي في واشنطن الأسبوع المقبل. ونوهت إلى أن كريستالينا جورجيفا، المدير العام لصندوق النقد الدولي، حذرت في حديثها قبيل الاجتماعات من أن توقعات الصندوق تشير إلى مزيج من النمو المنخفض والديون المرتفعة وبالتالي مستقبل صعب.
وشددت على ضرورة أن تعمل الحكومات على معالجة مشاكل ماليتها العامة المتدهورة، لكنها حذرت من أن الخلفية الاقتصادية الصعبة قد تعيق الجهود الرامية إلى خفض مستويات الديون.
من جانبها، قالت وكالة بلومبيرغ الاخبارية الاقتصادية، أن الاقتصاد العالمي يقترب من نهاية العام مع عدم توقع رياح مواتية تدفعه، إذ يعمل تباطؤ التضخم على إفساح الطريق أمام هبوط ناعم غير متوقع، مشيرة إلى أنه في حين يبدو الجانب الاقتصادي من المعادلة في تحسن، فإن العقبات السياسية لا تزال قائمة.
وأضافت أن حالة عدم اليقين المحيطة بالانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة تشكل عاملا هاما يؤثر على التوقعات الاقتصادية، وبناء على من سيفوز، فإن السياسات الاقتصادية التي سيتم تنفيذها قد تؤدي إلى نتائج مختلفة للغاية، ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة، بل وأيضا بالنسبة للاقتصاد العالمي.
وتابعت بلومبيرغ، إن مرشح الرئاسة الجمهوري دونالد ترامب هدد بفرض رسوم جمركية لا تقل عن 10 بالمئة على جميع السلع المستوردة و60 بالمئة أو أكثر على السلع القادمة من الصين، ورأت أن هذه وصفة من شأنها أن تزرع “الفوضى في عالم الأعمال” وفقا للتحليل المشترك الذي أجرته من مؤسسة بروكينغز ومعهد “بيترسون” للاقتصاد الدولي.
وأردفت أنه في حين عرضت نائبة الرئيس الأمريكي الحالي كامالا هاريس، استمرارية واسعة النطاق لسياسات إدارة الرئيس جو بايدن، فقد حدد خصمها، الرئيس السابق دونالد ترامب، سياسات من شأنها إرسال موجات صدمة عبر التجارة العالمية.
وذكرت بلومبيرغ أن الديون تشكل خطرا آخر، فمتى ما جاء التباطؤ التالي، سيكون أمام الحكومات خيارات أقل في كيفية الاستجابة. وقد قدر صندوق النقد الدولي أن الدين العام العالمي من المتوقع أن يصل إلى 100 تريليون دولار، أو 93 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، بحلول نهاية هذا العام، وحذر من أن الحكومات ستحتاج إلى اتخاذ قرارات صعبة لإحداث توازن بشأن الاقتراض.
وأشارت إلى أن وزارة الخزانة الأمريكية أعلنت مؤخرا، أن عبء تكلفة فائدة ديون واشنطن ارتفع إلى أعلى مستوى له في 28 عاما، وذلك في ظل المزيج من العجز الهائل في الميزانية وارتفاع أسعار الفائدة.
ولفتت بلومبيرغ إلى تصاعد الصراع في الشرق الأوسط، والحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا، والتوترات في مضيق تايوان.
وكانت كريستالينا جورجيفا ،المدير العام لصندوق النقد الدولي حذرت من إمكانية تصعيد الصراع في الشرق الأوسط لزعزعة استقرار الاقتصادات الإقليمية وأسواق السلع العالمية. كما أعربت عن مخاوفها بشأن زيادة الإنفاق العسكري الذي يؤثر على التمويل المتاح لأولويات أخرى، بما في ذلك المساعدات المقدمة للدول النامية.
وتابعت بلومبيرغ أنه ولهذا السبب، فإن الجوانب الجيوسياسية والديون تشكلان أولوية قصوى بالنسبة لصناع السياسات المجتمعين في واشنطن.
ونقلت عن بيتر برايت، كبير خبراء الاقتصاد السابق في البنك المركزي الأوروبي، أنه كيف يمكن أن يكون هناك هبوط ناعم في عالم يتفكك، مضيفا أنه لا يعتقد أن الولايات المتحدة أو أي اقتصاد آخر قادر على الهبوط الناعم في البيئة الحالية. ويعد الهبوط الناعم هو هدف البنوك المركزية عندما تسعى إلى رفع أسعار الفائدة لكبح جماح التضخم المرتفع، دون التسبب في ركود.