في ظل قرار البنك المركزي الأوروبي الأخير رفع معدل الفائدة للمرة العاشرة على التوالي لمكافحة التضخم، ترى صحيفة ” الغارديان” البريطانية أن اقتصادات منطقة اليورو المتباطئة لن تكون مرحبة بهذا القرار نظرا لعدة معطيات. ورفع البنك أمس الخميس، أسعار الفائدة بمقدار ربع نقطة مئوية، ليصل إلى 4.5%، مسجلا مستوى قياسيا منذ بدء التعامل باليورو في 1999، مشيرا أن تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو ربما بلغت ذروتها، مما أدى إلى تراجع اليورو.
وتعني زيادة البنك الأوروبي سعر الفائدة، ارتفاع معدل الفائدة على الودائع إلى مستوى قياسي يبلغ 4%. واعتبرت ” الغارديان”، في تقرير لها، أنه ومع معاناة أغلب الاقتصادات في منطقة اليورو من تباطؤ كبير في نشاط القطاع الخاص، فإن الزيادة في تكاليف الاقتراض لن تكون موضع ترحيب، مستشهدة بألمانيا، التي قالت بأنها دخلت في حالة من الركود هذا العام رغم أنها القلب الصناعي للاتحاد الأوروبي، في حين اقتربت فرنسا وإيطاليا من الركود مع معدلات نمو أعلى قليلا من الصفر.
ونقلت الصحيفة البريطانية عن محللين في معهد كيل للاقتصاد العالمي ومقره ألمانيا قولهم: إن الأسباب الرئيسية للانكماش المتوقع في الناتج المحلي الإجمالي الألماني بنسبة 0.5% هذا العام، تعود إلى ضعف النشاط الصناعي، والأزمة في قطاع البناء وضعف الإنفاق الاستهلاكي.
وتتوقع الشركات الألمانية أن تكون مسيرة العودة إلى النمو طويلة وشاقة في وقت يحجم فيه المستهلكون في أكبر اقتصاد في الاتحاد الأوروبي، الذين يتوخون الحذر بشأن المستقبل، عن المشتريات الكبرى ويدخرون بشدة لدعم مواردهم المالية الشخصية. وأشارت ” الغارديان” إلى أن الأسر الفرنسية منخرطة أيضا في المزيد من أعمال الادخار، مما دفع المفوضية الأوروبية إلى التوقع بتحقيق فرنسا نموا بنسبة 1 بالمئة فقط هذا العام و1.2 % العام المقبل فيما سيكون معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي في إيطاليا أضعف عند 0.9% هذا العام و0.8 بالمئة العام المقبل.
من ناحية أخرى، تبدو إسبانيا في وضع أفضل نوع ما في ظل دعمها القدرة الشرائية للأسر في مواجهة الضغوط التضخمية من خلال الحد من ارتفاع أسعار الطاقة، حيث يتوقع أن تحقق معدلات نمو تبلغ 2.2 بمئة هذا العام و1.9بالمئة في العام المقبل، بحسب الصحيفة. وذكرت ” الغارديان” أن البنك المركزي الأوروبي يشعر بالقلق من أن التعافي الضعيف سوف يسير جنبا إلى جنب مع تضخم أعلى من المتوقع، لافتة إلى أن معدل التضخم قد يصل هذا العام إلى 5.6 بالمئة و3.2 بالمئة العام المقبل، قبل أن يتراجع أكثر نحو النسبة المستهدفة وهي 2 بالمئة في عام 2025، حيث من المرجح أن يصل إلى 2.1 بالمئة.
من جانبها، أشارت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي في تعليق لها إلى أن مسؤولي البنك يرون أن أسعار الفائدة “وصلت إلى مستويات من شأنها، إذا تم الحفاظ عليها لفترة طويلة بما فيه الكفاية، أن تقدم مساهمة كبيرة” في خفض التضخم إلى هدفهم البالغ 2 بالمئة. ورأت صحيفة ” وول ستريت جورنال” الأمريكية أن هذا التعليق دفع المستثمرين إلى خفض توقعاتهم بشأن أسعار الفائدة المستقبلية في البنك المركزي الأوروبي، مما أدى إلى انخفاض اليورو بنحو سنت مقابل الدولار إلى أقل من 1.07 دولار، وهو أدنى مستوى له منذ مارس الماضي.
وأشارت الصحيفة، في تقرير لها، إلى أن عائدات السندات انخفضت، مع تراجع العائد على السندات الحكومية القياسية لأجل 10 سنوات لألمانيا وفرنسا وإيطاليا بما يتراوح بين 0.05 و0.10 نقطة مئوية فيما ارتفعت الأسهم الأوروبية، حيث زاد مؤشر Stoxx Europe 600 القياسي بأكثر من 1 بالمئة.
وتطرقت الصحيفة الأمريكية إلى أسباب أخرى تضغط على عملة اليورو، مشيرة إلى أنه لا تزال منطقة اليورو تتمتع بأسعار فائدة أقل من الولايات المتحدة، فضلا عن ارتفاع معدلات التضخم والاقتصاد المتعثر الذي يتناقض مع النمو الاقتصادي الصحي نسبيا في الولايات المتحدة، وكلها عوامل تؤثر على اليورو.
وذكرت الصحيفة أن المستثمرين كانوا منقسمين بشكل غير عادي قبل قرار يوم الخميس حول ما إذا كان البنك المركزي الأوروبي سيتوقف بالفعل أو يكشف عن زيادة أخيرة في سعر الفائدة، معتبرة أن هذا الخلاف يعكس حالة عدم اليقين بشأن مدى النمو المتوقع في منطقة اليورو، جنبا إلى جنب مع سياسة البنك المركزي الأوروبي حيال التضخم.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن التوقعات الاقتصادية الجديدة التي نشرها البنك المركزي الأوروبي تشير إلى أن نمو منطقة اليورو سوف يتباطأ بشكل ملحوظ هذا العام والعام المقبل أكثر مما كان متوقعا في السابق، في حين سيظل التضخم أعلى بشكل ملحوظ من هدف البنك المركزي الأوروبي البالغ 2 بالمئة حتى العام المقبل.
ورفع البنك توقعاته للتضخم العام المقبل من 3 بالمئة إلى 3.2 بالمئة، ليعكس بشكل أساسي “مسارا أعلى لأسعار الطاقة”.
وأجرت” وول ستريت جورنال” مقارنة بين تأثير رفع معدل الفائدة في أوروبا والولايات المتحدة، معتبرة أن البنوك المركزية في أوروبا تواجه تحديا صعبا بشكل خاص لأنه في حين أن الزيادات الأخيرة في أسعار الفائدة أثرت بشدة على الإقراض وربما خفضت النمو الاقتصادي فإنها أنها لم تظهر بعد تأثيرا ملحوظا على التضخم الأساسي.
ولفتت إلى أن السياسة الأوروبية تجاه التضخم تتناقض مع الولايات المتحدة، حيث رفع بنك الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأمريكي ) أسعار الفائدة أعلى من البنك المركزي الأوروبي وانخفض التضخم الأساسي بشكل كبير في حين ظل النمو في البلاد قويا.
ونوهت في سياق متصل إلى أن التضخم الأساسي بلغ في أغسطس الماضي 5.3 بالمئة في منطقة اليورو، بينما وصل في الولايات المتحدة إلى 4.3 بالمئة.