الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات والدفاع والطيران، بالإضافة إلى الانتقال الطاقي، أصبحت من أهم القطاعات الاستراتيجية في القرن الحادي والعشرين، وهو ما يتطلب نموا هائلا في إمدادات المعادن النادرة. وأكد تقرير صادر عن بنك قطر الوطني (QNB) على الأهمية الكبيرة للمعادن النادرة الأساسية في المشهد الاقتصادي العالمي، لا سيما في ظل الثورة الإلكترونية والرقمية ومع زيادة ظهور صناعات وتقنيات جديدة.

وأشار تقرير إلى هيمنة الصين على سلاسل التوريد المرتبطة بالمعادن النادرة، الأمر الذي سينشئ اختناقات ونقاط ضعف للولايات المتحدة والمنافسين الآخرين، متوقعا أن تصبح المنافسة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والصين أحد العوامل المؤثرة الرئيسية للاقتصاد العالمي في السنوات المقبلة.

وأضاف:” في الأسابيع الأخيرة، كادت النزاعات حول ضوابط التصدير لسلاسل التوريد المرتبطة بالمعادن النادرة أن تؤدي إلى تصعيد كبير في الصراعات التجارية بين الولايات المتحدة والصين”.
وبين التقرير أن المعادن النادرة ليست نادرة بشكل خاص في القشرة الأرضية، وأن التحدي يكمن في استخراجها وتكريرها، وهي عمليات معقدة من الناحية التكنولوجية، ولها تأثير كبير على البيئة، وتتطلب رؤوس أموال ضخمة.

وتضم مجموعة المعادن النادرة 17 عنصرا مثل النيوديميوم والديسبروسيوم والتيربيوم والسيريوم واللانثانوم والإيتريوم، ولكل منها خصائص مغناطيسية أو بصرية أو تحفيزية فريدة تجعلها أساسية للصناعة الحديثة، كما تلعب العديد من المعادن الهامة ذات الصلة، بما في ذلك الغاليوم والجرمانيوم والإنديوم والكوبالت والليثيوم، أدوارا مماثلة عبر سلاسل التوريد.
ولفت بنك قطر الوطني، في تقريره الأسبوعي، إلى أن هذه العناصر مجتمعة، تحظى بأهمية واضحة في ثلاثة من أهم القطاعات سريعة التوسع حول العالم، مضيفا أنه فيما يتعلق بمجال الذكاء الاصطناعي وأشباه الموصلات، تعد المعادن النادرة جزءا لا يتجزأ من الآلات والعمليات التي تتيح صناعة الرقائق المتقدمة.

كما يستخدم أكسيد السيريوم لتلميع رقائق السيليكون بدقة نانومترية، ويعد الإيتريوم مكونا أساسيا في أنظمة تنميش البلازما، فيما تعمل المغناطيسات القائمة على النيوديميوم على تشغيل أنظمة التبريد والمحركات عالية الكفاءة المستخدمة في مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي، وفي الوقت نفسه، يتم استخدام العناصر ذات الصلة مثل الغاليوم والجرمانيوم مباشرة في الرقائق عالية الأداء والاتصالات البصرية.

وأشار التقرير إلى أنه بالنسبة لمجال الدفاع والطيران، تعتبر المعادن النادرة الأخرى مدخلات رئيسية للمحركات النفاثة وأنظمة الرادار والأسلحة الموجهة بدقة، وفي مجال تحول الطاقة، تعد المعادن النادرة مثل النيوديميوم والباراسيوديوم ضرورية للمغناطيسات القوية التي تجعل السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح تعمل بكفاءة، فيما يلعب اللانثانوم والسيريوم أدوارا حاسمة في المحولات الحفازة وتقنيات تخزين الطاقة.

وأضاف التقرير أن النمو الهائل في الطلب أدى إلى تحويل المعادن النادرة والمعادن الهامة من سلع صناعية إلى أصول استراتيجية، كما أدت هذه الأهمية المتزايدة إلى خلق احتكاكات جيوسياسية جديدة، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تركز القدرة الإنتاجية والقدرة على المعالجة بشكل كبير في عدد قليل من البلدان، وخاصة الصين.
وذكر التقرير بتصريح الزعيم الصيني السابق دنغ شياو بينغ في عام 1987 الذي قال فيه إن “الشرق الأوسط لديه النفط والصين لديها المعادن النادرة”.

يذكر أن الصين استثمرت بكثافة في المسوحات الجيولوجية والتعدين وتكنولوجيا التكرير، وبحلول أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أصبحت الصين اللاعب المهيمن في كل مرحلة تقريبا من مراحل سلسلة التوريد، وتمثل الصين اليوم الصين حوالي 65 في المئة من إنتاج المناجم العالمي وأكثر من 85 في المئة من طاقة التكرير والمعالجة العالمية، كما تنتج غالبية المغناطيسات الدائمة وغيرها من المنتجات النهائية عالية القيمة التي تعتمد على هذه المواد، فضلا عن أنها استثمرت في توسيع حضورها في هذه الصناعات في الخارج، مسيطرة على أصول وموارد واحتياطيات كبيرة حتى خارج الصين.

وقال بنك قطر الوطني، في تقريره الأسبوعي، إن بكين دمجت في عام 2021 العديد من الشركات المملوكة للدولة في مجموعة الصين للمعادن النادرة، مما عزز سيطرتها وتنظيمها لهذا القطاع، وفي الآونة الأخيرة، فرضت الصين ضوابط على الصادرات لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وأكد المسؤولون أن هذه الضوابط لا تمثل حظرا صريحا، بل هي تدابير لضمان التداول “المسؤول والآمن” للسلع ذات الاستخدام المزدوج، ومع ذلك، عززت هذه الخطوات التصورات بأن الصين تعتبر السيطرة على المعادن الحيوية عنصرا مهما في مجموعة أدواتها الجيوسياسية الأوسع.

وأشار التقرير إلى أنه ردا على ذلك، تحركت دول أخرى لتنويع سلاسل التوريد وتقليل الاعتماد والتبعية الاستراتيجية، لافتا إلى أن الولايات المتحدة صنفت المعادن النادرة على أنها بالغة الأهمية للأمن القومي، وهي تستثمر في التعدين والمعالجة المحلية من خلال قانون الإنتاج الدفاعي، ومع ذلك، ستستغرق هذه الجهود سنوات حتى تؤتي ثمارها.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version