تمتلك الولايات المتحدة حاليًا نفوذًا محدودًا على قرارات أوبك+، خاصة مع استمرار ارتفاع إنتاجها النفطي. و في أبريل 2025، تعهد أعضاء أوبك+، بما في ذلك العراق وكازاخستان ودول أخرى، بتخفيضات إضافية في الإنتاج تتجاوز حصصهم الحالية استجابة لظروف السوق. واتفقت دول أوبك+ الثماني على زيادة إنتاج النفط بمقدار 411 ألف برميل يوميًا في مايو، ما يمثل تراجعًا تدريجيًا مقداره ثلاثة أشهر عن التخفيضات الطوعية البالغة 2.2 مليون برميل يوميًا. ومن المقرر أن تنتج المملكة العربية السعودية أكبر كمية بموجب الأهداف المحدثة.

يتجلى انخراط الصين المتزايد في أسواق الطاقة في الشرق الأوسط في جهودها لتسوية معاملات النفط باليوان، بل تستكشف المملكة العربية السعودية والصين إمكانية إجراء تجارة النفط باليوان، بهدف تقليل الاعتماد على الدولار الأميركي. وعلى الرغم من وجود حواجز تعيق التحول الكامل إلى تجارة النفط القائمة على اليوان بسبب الاعتبارات الجيوسياسية والمالية، لكن المناقشات الجارية تشير إلى تحول محتمل في ممارسات تجارة النفط العالمية.
مع تراجع نفوذ الولايات المتحدة في أسواق الطاقة العالمية، تتجه أرامكو السعودية شرقًا، معززةً علاقاتها مع الصين من خلال مشاريع تكرير وبتروكيماويات كبرى، بحيث يضمن أكبر مُصدّر للنفط في العالم الطلب طويل الأجل من خلال الشراكة مع شركات صينية حكومية وخاصة، بما في ذلك سينوبك، وأرامكو هواجين للبتروكيماويات، وفوجيان للتكرير والبتروكيماويات.
في عام 2024، أعلن صندوق الاستثمارات العامة عن اتفاقيات مع شركات صينية لتوطين تصنيع توربينات الرياح والخلايا الكهروضوئية ورقائق الطاقة الشمسية في المملكة العربية السعودية. و أفاد المجلس الأطلسي في نوفمبر الماضي أن الولايات المتحدة متأخرة في التحول العالمي للطاقة النظيفة، حيث تُحرز الصين والشرق الأوسط وأوروبا تقدمًا سريعًا. و تُهيمن الصين على سلاسل توريد الطاقة المتجددة، حيث تُسيطر على تصنيع الألواح الشمسية، بينما من المقرر أن يُنتج مشروع الهيدروجين الأخضر السعودي في نيوم 600 طن يوميًا بحلول عام 2026.
وأفادت مؤسسة كارنيغي في تقرير لها في يناير أن مشاريع الطاقة المتجددة الأميركية، التي تعتمد بشكل كبير على الواردات الصينية، تواجه زيادات في التكاليف بسبب الرسوم الجمركية، بما في ذلك 10% على جميع الواردات و34% على السلع الصينية. ولا يخفى أن قرار إدارة ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس في عام 2025 قد أسهم في عزل البلاد بشكل أكبر عن التعاون الدولي في مجال الطاقة النظيفة، وهو أمر بالغ الأهمية لأن هيمنة الطاقة تمتد الآن إلى ما هو أبعد من النفط إلى مصادر الطاقة المتجددة. كذا، واجهت الولايات المتحدة صعوبات في الابتكار في تقنيات الطاقة النظيفة، متخلفةً عن ريادة الصين في تخزين البطاريات وإنتاج توربينات الرياح. وتُفاقم الرسوم الجمركية هذه التحديات من خلال زيادة تكاليف الألواح الشمسية ومكونات طاقة الرياح، مما يحد من قدرة الولايات المتحدة على المنافسة عالميًا.
ولعقود، مارست الولايات المتحدة نفوذًا كبيرًا على أسواق النفط العالمية وسياسة الطاقة في الشرق الأوسط. إلا أن هذه الهيمنة تتعرض لتهديد يتزايد يومًا بعد يوم. ففي أواخر عام 2024، حققت الولايات المتحدة رقمًا قياسيًا جديدًا في إنتاج النفط، مما قلل اعتمادها على الواردات وعزز استقلالها، في حين تواصل الصين توسيع حضورها في الشرق الأوسط.
في أغسطس 2024، سجل إنتاج النفط الخام الأميركي مستوى قياسيًا بلغ 13.4 مليون برميل يوميًا، متجاوزًا الذروة السابقة البالغة 13.3 مليون برميل يوميًا المسجلة في ديسمبر 2023. وتتوقع إدارة معلومات الطاقة الأميركية أن يبلغ متوسط إنتاج النفط الأميركي نحو 13.5 مليون برميل يوميًا في عام 2025، مما يجعله أكبر مصدر لنمو المعروض هذا العام، تليها كندا والبرازيل وغيانا.
أدى ارتفاع إنتاج النفط الأميركي إلى تقليل اعتماد البلاد بشكل كبير على النفط المستورد. ومن المتوقع أن ينخفض صافي واردات النفط الخام بنسبة 20% في عام 2025، ليصل إلى 1.9 مليون برميل يوميًا، وهو أدنى مستوى له منذ عام 1971، وفقًا لما ذكرته إدارة معلومات الطاقة الأميركية في ديسمبر الماضي. وقد سمح هذا الاستقلال للولايات المتحدة بإعادة تقييم أولويات سياستها الخارجية، بحيث أصبحت تركز بشكل أكبر على شؤون الطاقة المحلية وبدرجة أقل على شؤون الشرق الأوسط.
قال همايون فلكشاهي، كبير محللي النفط في شركة كبلر،: “بمرور الوقت، قد يُقلل هذا من مركزية النفوذ الأميركي – ليس فقط فيما يخص تجارة النفط والغاز، ولكن أيضًا فيما يخص كيفية هيكلة معايير الطاقة وآليات التمويل”. وأضاف أن صادرات الولايات المتحدة مع هذا لا تزال ذات أهمية بالغة لدول أخرى في العالم في ظل حقيقة أنها لا تزال أكبر منتج للنفط والغاز.
من ناحية أخرى، أدى الارتفاع الكبير في المعروض العالمي من النفط إلى انخفاض أسعار خام برنت إلى ما دون 63 دولارًا للبرميل، مع توقعات من البنك الدولي تشير إلى احتمالية حدوث انخفاض إضافي إلى 61 دولارًا للبرميل بحلول عام 2026.
تُفيد بيئة الأسعار المنخفضة الحالية المنتجين منخفضي التكلفة، مثل المملكة العربية السعودية، التي تُعدّ تكاليف إنتاجها من بين الأدنى عالميًا، حيث تُقدّر بما يتراوح بين 10 و20 دولارًا للبرميل. في المقابل، يواجه منتجو النفط الصخري في أميركا تكاليف مكافئة مرتفعة تتراوح بين 50 و70 دولارًا للبرميل، ما يجعلهم أكثر هشاشة وعرضة لخطر التراجع، وفقًا لوكالة الطاقة الدولية.
تُعيق الرسوم الجمركية الأمريكية الأخيرة، بما في ذلك التكلفة البالغة 10% على جميع الواردات و25% على الصلب والألومنيوم، قطاع الطاقة، حيث ترفع هذه الرسوم تكاليف الحفر بنسبة 10-15%، وفقًا لمسح أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس، ما يدفع أسعار التعادل للنفط الصخري إلى 75 دولارًا للبرميل، وهو سعر أعلى بكثير من سعر خام غرب تكساس الوسيط البالغ 60 دولارًا للبرميل.
على الصعيد العالمي، من المتوقع أن تُخفّض الرسوم الجمركية الطلب على النفط بمقدار 500 ألف برميل يوميًا في عام 2025، وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، حيث تُبطئ الحروب التجارية النمو الاقتصادي. يؤثر هذا سلبًا على المنتجين الأميركيين، حيث من المتوقع أن تنخفض الصادرات إلى آسيا بنسبة 10% في ظل توجه الصين نحو نفط الشرق الأوسط.
تزيد الرسوم الجمركية كذلك من تكاليف شركات استكشاف وإنتاج الطاقة الأميركية، وفقًا لبنك الاحتياطي الفيدرالي في دالاس. في حين يواجه قطاع التكرير ضغوطًا متزايدة، أبرزها الإغلاق المخطط له لمصفاة ليونديل باسل في هيوستن في الربع الأول، حيث انخفضت فروق أسعار النفط الخام بين غرب تكساس الوسيط وساحل الخليج بنسبة 83% في عام 2024، وفقًا لتقرير ديلويت.
من المرجح أن تؤدي دعوات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لزيادة حفر الآبار النفطية إلى التوترات مع المملكة العربية السعودية وأعضاء آخرين في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك). ومنذ أن بدأت ثورة النفط الصخري في عام 2007، فقدت أوبك تدريجيًا حصتها السوقية لصالح الولايات المتحدة، حيث تجاوز إنتاج النفط الأميركي إنتاج المملكة العربية السعودية في عام 2014.
قد تعود الرياض في نهاية المطاف إلى استراتيجية حرب الأسعار من حيث تعزيز إنتاج النفط لتقويض المنافسين ذوي التكلفة الأعلى وتثبيط الاستثمار في المنبع في أماكن مثل الولايات المتحدة. إذا سن ترامب سياسات تشجع على زيادة الإنتاج الأميركي، فقد تتصاعد التوترات مع أوبك، كما حذر المركز العربي في واشنطن في نوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وقال فلكشاهي: “لقد أصبحت أوبك+ فعليًا الهيئة الرئيسية التي تحدد الأسعار مرة أخرى، بينما تفتقر الولايات المتحدة إلى الآليات السياسية المطلوبة للثبات في هذه المكانة”، مضيفًا أن نظام الطاقة أصبح متعدد الأقطاب. ويضعف وجود البدائل من القدرة على تسعير المؤشرات مثل خام غرب تكساس الوسيط، في ظل تدفق المزيد من البراميل خارج المسارات التقليدية المرتبطة بالولايات المتحدة.