بالرغم من التباطؤ في معدلات التضخم حول العالم، بعد استخدام البنوك المركزية أداتها الشهيرة وهي رفع معدلات الفائدة لمكافحة التضخم، إلا أن هناك ثمة قلق وتوجس بين المسؤولين في تلك البنوك من أن هذا التباطؤ والانخفاض لن يستمر، وهو ما يشير إلى أنه ليس هناك ما يلوح في الأفق ينبئ بقرب انتهاء سياسة التشديد النقدي ورفع معدل الفائدة، وإن كل ذلك يتوقف على البيانات وما تحمله الأيام من أنباء.
وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية أن هذا التوجس يفسر التفاؤل المضطرب في مناقشات المسؤولين في الاجتماع السنوي لمحافظي البنوك المركزية في الولايات المتحدة في جاكسون هول في ولاية وايومينغ، والذي عقد مؤخرا.
وأوضحت الصحيفة إن الإنفاق الاستهلاكي الأمريكي قد نما بوتيرة أسرع مما كان متوقعا في الأشهر الأخيرة، مدعوما بارتفاع الأجور المعدلة حسب التضخم، ما يعني أن الطلب على السلع والخدمات القوي يثير مخاوف من أنه قد يمنع التضخم من الانخفاض بشكل أكبر.
وحول استمرار رفع سعر الفائدة بسبب المخاوف من عدم استمرار تباطؤ التضخم، ذكرت لوريتا ميستر رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند، في مقابلة السبت الماضي لخصت يومين من العروض والمناقشات في الاجتماع السنوي في جاكسون هول: “نحن قريبون جدا من مرحلة جيدة، وبعد ذلك سندع الاقتصاد يخبرنا إلى متى سنبقي أسعار الفائدة مرتفعة”.
ورفع مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة القياسي على الأموال الفيدرالية الشهر الماضي بمقدار ربع نقطة مئوية إلى نطاق يتراوح بين 5.25 بالمئة و5.5 بالمئة، وهو أعلى مستوى منذ 22 عاماً. وفي يونيو الماضي اعتقد معظم المسؤولين أنهم سيرفعون سعر الفائدة بمقدار ربع نقطة أخرى هذا العام. ومن المقرر أن يعقد اجتماع بنك الاحتياطي الفيدرالي القادم في الفترة من 19 إلى 20 سبتمبر.
وأشارت وول ستريت جورنال إلى أن الارتفاع الأخير في عائدات السندات الحكومية طويلة الأجل، جنبا إلى جنب مع ضعف النمو في الخارج، يمكن أن يساعد في إحداث التباطؤ الاقتصادي الأمريكي الذي حاول مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي إدارته من خلال رفع أسعار الفائدة بقوة على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية، مضيفة أن ذلك قد يساعد ذلك في الحفاظ على انخفاض التضخم.
كما أوضحت رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند إنها تقوم بتقييم ما إذا كانت عوائد السندات المرتفعة ستعوض الإنفاق الاستهلاكي القوي، لافتة إلى أن بنك الاحتياطي الفيدرالي ربما يضطر إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى، “لكن ليس من الضروري أن يكون ذلك في سبتمبر”.
وتعتقد ميستر أنه بعد زيادة أخرى هذا الخريف، من المرجح أن يتمكن مسؤولو بنك الاحتياطي الفيدرالي من الحفاظ على أسعار الفائدة ثابتة خلال العام المقبل، وهذا من شأنه أن يقيد النشاط الاقتصادي.
وتراجع التضخم في الولايات المتحدة من أعلى مستوى له منذ 40 عاما عند 9.1 بالمئة في يونيو 2022. وارتفع مؤشر أسعار المستهلك بنسبة 3.2 بالمئة في الأشهر الاثني عشر حتى يوليو من هذا العام. وارتفعت الأسعار الأساسية، التي تستثني فئات الغذاء والطاقة المتقلبة، بنسبة 0.2 بالمئة فقط على أساس شهري في يونيو ويوليو، مما أدى إلى استمرار التباطؤ واسع النطاق في ضغوط الأسعار.
وقال جيروم باول رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي الجمعة الماضية إن البنك المركزي يمكن أن “يتقدم بحذر”، مما يعني أن المسؤولين سيبقون أسعار الفائدة ثابتة الشهر المقبل ويقررون ما إذا كانوا سيرفعونها مرة أخرى في اجتماعاتهم في نوفمبر أو ديسمبر.
من جانبها، ذكرت صحيفة ” فايننشال تايمز” البريطانية أن معدل التضخم في منطقة اليورو انخفض إلى النصف من ذروة العام الماضي البالغة 10.6 في المائة، ومن المتوقع أن ينخفض أكثر عندما تنشر بيانات أغسطس يوم الخميس المقبل.
وتساءلت الصحيفة ما إذا كان البنك المركزي الأوروبي سوف يتباطأ بالقدر الكافي لإقناع البنك المركزي الأوروبي بالتوقف عن رفع أسعار الفائدة.
ونقلت الصحيفة عن أنجيل تالافيرا، رئيس قسم الاقتصاد الأوروبي في شركة أكسفورد إيكونوميكس الاستشارية، إن قرار البنك المركزي الأوروبي “لا يزال يبدو بمثابة قرعة رمية عملة معدنية”، في حين توقع “انخفاضا طفيفا” في التضخم سيكون كافيا للبنك المركزي لإيقاف دورة رفع أسعار الفائدة مؤقتا.. لكنه حذر قائلاً: “إذا فشل الرقم السنوي في الانخفاض، فقد يكون هذا كافيا لصقور البنك المركزي الأوروبي ليكون لهم اليد العليا والمضي قدما في رفع أسعار الفائدة مرة أخرى في سبتمبر”.
وذكرت الصحيفة ومن الممكن أن يؤدي انتعاش السياحة الأوروبية هذا الصيف إلى إبقاء تضخم الخدمات مرتفعا، وهذا من شأنه أن يعقد الأمور بالنسبة للبنك المركزي الأوروبي، الذي قال إن التضخم الأساسي، الذي تعتبر الخدمات محركا كبيرا له، يحتاج إلى الانخفاض بشكل مستدام قبل أن يتوقف عن رفع أسعار الفائدة.